نيويورك قد تكون مكانًا صعبًا لتحقيق النجاح.
بعيدًا عن أضواء الشهرة والبريق، سكان نيويورك أشخاص عمليّون، مشغولون، لا يمنحون المديح إلا لمن يستحقه. إنها مدينة لا يُعتدّ فيها كثيرًا بالسمعة، بل بالأفعال – المكان المثالي لولادة جديدة لبطلة العالم الموحدة في وزن البانتام الفائق ، والمتوجة بحزام مجلة ذا رينج، إ
يلي سكوتني.
"هذا تمامًا يشبه نشأتي"، قالت سكوتني(11 انتصارا بدون هزيمة) لـ"
ذا رينج".
وتابعت: "هذا هو المكان الذي أتيت منه. هكذا تربّينا، على البساطة والثبات. أعتقد أن هذا ما يجعلني دائمًا ثابتة على الأرض. لن أنجرّ وراء اللحظة أبدًا. لا أنظر إلى الأمام، ولا إلى الوراء، فقط أكون كما يجب أن أكون في كل لحظة أعيشها".
سكوتني تفوقت على بطلة العالم المكسيكية المخضرمة ياميليث ميركادو في ماديسون سكوير غاردن يوم 11 يوليو، حيث فازت بقرار إجماعي بعد 10 جولات. هذا الانتصار أضاف الحزام الأخضر والذهبي الشهير (WBC) إلى ألقابها الأخرى: IBF، وWBO، و ذا رينج
بقيادة النزال الثلاثي بين كاتي تايلور وأماندا سيرانو، استقطب عرض شركة Most Valuable Promotions حشدًا كامل العدد في "أشهر حلبة في العالم" – ماديسون سكوير غاردن – وشاهده حوالي ستة ملايين متفرج عبر منصة نتفليكس.
ورغم أن كثيرين لم يكونوا على دراية باللندنية ذات الـ27 عامًا من قبل، إلا أنهم بالتأكيد سيتابعونها المرة المقبلة.
ظهورها الأول كملاكمة تحت مظلة MVP كان مثاليًا بكل المقاييس.
"كان الأمر وكأنهم قالوا لي: 'تفضّلي يا إيلي، هذه هي الحلبة، وهذه هي المواجهة التي حلمتِ بها'. لقد تمنيت خوض هذا النزال منذ سنوات. كنت أرغب في التواجد على بطاقة كاتي وأماندا منذ نزالهما الأول. أردت أن أقاتل في نيويورك"، قالت سكوتني.
وأضافت: "أردت الظهور على أكبر منصة ممكنة، وحصلت على كل شيء. منذ لحظة الإعلان، أدركت أن الأمر بات بين يديّ، وأحببت تلك الفكرة".
أولى مشاهداتها خلال أسبوع النزال كانت حين شوهدت تتجوّل في شوارع نيويورك برفقة إخوتها.
"كان الأمر وكأنني في بيتي"، قالت سكوتني.
حافظت إيلي على هذه الروح حتى مع اقتراب أهم ليلة في مسيرتها. لم تصل إلى أمريكا متقمّصة شخصية متصنّعة، تُردّد العبارات النمطية أو تتصرف بأسلوب مختلف عن حقيقتها، بل جاءت كما هي تمامًا.
منذ اللحظة الأولى التي أبدت فيها شركة Most Valuable Promotions اهتمامها بالتوقيع معها، أكدت لسكوتني أن الاستثمار الحقيقي بالنسبة لهم هو في "الإنسانة" لا فقط في "الملاكمة". هذا الإدراك – بأنها ليست مضطرة لأن تؤدي دورًا أو تتقمص شخصية – جعلها تشعر وكأنها وسط عائلتها، حتى وهي محاطة بفريق جديد بالكامل لأول مرة في أسبوع النزال. من لحظة وصولها إلى الفندق، شعرت وكأنها في منزلها.
لكن الأيام التي تلت النزال كانت أشبه بعاصفة متقلبة.
"كل شيء كان يبدو طبيعيًا بحق"، تقول سكوتني، "كان الأمر غريبًا. كأنني نسيت أنني سافرت بالطائرة، ونسيت فرق التوقيت. كنت مستغربة من مدى هدوئي".
وتتابع: "حتى الآن، لا يزال هذا الهدوء يلازمني، وأتساءل: متى سيتغيّر هذا الشعور؟"
"قلت لأمي: أشعر وكأنني أعرف تمامًا من أنا الآن. أعتقد أن نموي في الإيمان جعلني واثقة جدًا في ذاتي، وفي المصدر الذي أستلهم منه صفائي الذهني. أنا فقط أنا. لا أحتاج إلى أحد يُمسك بيدي أو يساندني عاطفيًا."
"أنا فقط هادئة، لأني أعلم أن كل شيء يحدث بتوقيت إلهي وبسرعته. ولهذا أنا راضية تمامًا عما أنا عليه وأين وصلت."
بعد الميزان الرسمي، صعدت سكوتني إلى غرفتها لتناول طعامها.
وبينما كانت تجهّز حقيبتها لرحلة العودة إلى لندن في اليوم التالي، تخلّت عن محاولة توصيل هاتفها إلى شاشة التلفاز، واكتفت بمشاهدة نصف متقطعة لإعادة عرض فيلم Forrest Gump، بينما كانت تنظر من نافذتها نحو ساحة ماديسون سكوير غاردن، التي لا تبعد سوى شارعٍ واحد.
لا توتر، ولا أحاديث قتالية، فقط ضحكات خفيفة بين الحين والآخر تعبيرًا عن الحماسة للمنصة التي مُنحت لها.
سكوتني ليست شخصًا خرافيًا، لكنها تؤمن بأن بعض العلامات تحمل دلالة. في طريقها إلى المطار متجهةً إلى أمريكا، مرّت أسفل إعلان مكتوب عليه "أعمال موحّدة" (Unified Business)، بينما كان إعلان آخر يصف منتجه بأنه "فوق الصوتي"، وهو الاسم ذاته لأغنية دخولها إلى الحلبة.
وما زاد اللحظة تفرّدًا، أنها تلقّت إشعارًا قبل النزال بأن أسطورتها المفضلة، بطل وزن البانتام السابق أورلاندو كانيزاليس، كتب منشورًا عبّر فيه عن حماسه لمشاهدة "مقاتلته المفضلة إيلي سكوتني".
كل شيء انساب كما ينبغي.
"أدهشني الأمر، لأنني شعرت أن الموقف لم يغمرني أو يطغَ عليّ، رغم أنه كان من الممكن أن يحدث"، قالت سكوتني.
"لم أشعر بالقشعريرة إلا عندما كانت
أماندا و
كاتي تسيران نحو الحلبة. التفتّ إلى شقيقي، مايكل، وقلت له: ’هذا جنون... أنا خضت نزالًا هنا.‘"
"أحيانًا نبالغ في التفكير، ونضع على أنفسنا ضغطًا لا داعي له، وأنا غالبًا أفعل ذلك. لكن هذه المرة جلست مع نفسي وقلت: ’إيلي، أنتِ تحبين هذا، بل الأفضل من ذلك، أنك تقومين به في ماديسون سكوير غاردن والعالم كله يشاهدك.‘"
"اختزلت الأمر إلى هذه اللحظة فقط، وكان هدفي الأساسي هو الاستمتاع بها. ربما تكون هذه المرة الأولى التي دخلت فيها بحالة ذهنية كهذه، وكانت أهدأ مرة أخوض فيها نزالًا. من الغريب أن تقول إنك تستمتع بشيء، ومع ذلك تكون في قمة الهدوء أثناءه."
وإن كانت سكوتني هادئة، فوالدتها لم تكن كذلك على الإطلاق.
أبريل، والدتها، جاءت من لندن لحضور النزال من الصفوف الأمامية، كما اعتادت في جميع مواجهات ابنتها.
"قالت لي: ’مش عارفة إزاي عدّيت من الموقف يا إيلي.‘ أختي قالت إنها اضطرت تهزّها قبل قرع الجرس لأنها كانت على وشك الانهيار!" تقول سكوتني ضاحكة.
"الأطرف أنهن كنّ يجلسن إلى جوار والدة كاتي، والتي قالت لي بعد النزال: ’كنت أظن أنني أتوتر عندما أشاهد كاتي، لكن والدتك تحولت إلى اللون الأبيض من شدة القلق!‘"
أبريل دائمًا أكبر مشجعة لسكوتني، لكنها أيضًا أكثر من ينتقدها بصرامة. هذه المرة، لم تجد ما تأخذه عليها.
"تعرف؟ أعتقد أنها كانت المرة الوحيدة التي قالت لي فيها: ’أحسنتِ يا إيلي.‘" تقول سكوتني.
"لا تتوقف عن الضحك الآن، ولا أستطيع عدّ عدد المرات التي أعادت فيها مشاهدة النزال."
رغم إشادات المتخصصين بمهارتها الفنية داخل الحلبة، إلا أن جمهور الملاكمة العادي لم يكن يعرف سكوتني خارج السياقات الترويجية النمطية أو مؤتمراتها الصحفية القصيرة.
فهي ليست من ذلك النوع الذي يهاجم الخصوم في الإعلام أو يصرخ لجذب الانتباه، ولهذا بقيت تحت الرادار.
أما أولئك الذين يعرفونها خارج الحلبة، فقد أدهشهم أن صناعة الملاكمة – بكل ما تستثمره من وقت وأموال لتحويل بعض الأسماء إلى نجوم جماهيريين – لم تلتفت بشكل كافٍ إلى ملاكمة تملك كل المقوّمات الطبيعية للنجاح الجماهيري.
لكن بعد النزال، انهالت الإشادات ليس فقط لأدائها داخل الحلبة، بل لطريقة تعاملها مع الصحافة وموظفي الحدث، مما عزّز قناعة MVP بأنها تمتلك بين يديها نجمة واعدة.
وقد استغرق الأمر أقل من ثلاثة أشهر لتصل MVP إلى ما كان ينبغي أن يكون واضحًا منذ خمس سنوات.
قد تكون سكوتني على بُعد 3500 ميل من كاتفورد – الحي الذي نشأت فيه – لكنها، على الأقل من ناحية الملاكمة، وجدت موطنها الجديد.
"أعتقد أن هذه هي الحقيقة ببساطة، أليس كذلك؟" قالت سكوتني.
"الطريقة التي قدّمتني بها MVP كانت بأن لديهم رؤية لما يمكن أن أصبحه – بإذن الله – في المستقبل."
"لكن أشعر أنني لم أعلن فقط عن نفسي لهم، بل أعادت تقديم نفسي لأشخاص كان من المفترض أن يعرفوني منذ زمن."
"أن يقول لك أحدهم إنك مقاتلة جيدة، فهذا أمر جيد. لكن أن يقدّرك كإنسانة ويعلّق على شخصيتك، فهذا هو المعنى الحقيقي للنجاح بالنسبة لي. أعتقد أن والدتي كانت فخورة أكثر بهذا الجانب، بأنني استطعت أن أوصل من أكون."
"شركة MVP أعطتني صفحة بيضاء حرفيًا، وقالت لي: ’اكتبي قصتك يا إيلي،‘ وأشعر أن هذا بالضبط ما فعلته."
"دخلت ببساطة كما أنا، ونجحت في إيصال شخصيتي، أولًا من خلال أسلوبي في الملاكمة، وثانيًا بالطريقة التي تعاملت بها مع كل من حولي."