مع اقتراب عقارب الساعة من منتصف الليل في السادس من مايو 2023، وعلى أرض ملعب أكرون في ضواحي مدينة غوادالاخارا غرب المكسيك، عبّر
جون رايدر عما كان يفكر فيه الكثيرون.
فالملاكم اللندني، الذي دخل النزال كأحد أقل المرشحين حظًا لدى شركات المراهنات، كان قد أنهى للتو 12 جولة أمام
كانيلو ألفاريز. سقط في الجولة الخامسة قبل أن يخسر بقرار واسع على البطاقات الثلاث، في محاولته غير الناجحة لنيل لقب بطل العالم الموحّد في وزن فوق المتوسط.
أنفه المكسور، الملفوف بالشريط اللاصق والمغطى بالدماء، كان يلخص أحداث النزال إلى حد كبير. ومع ذلك، فإن رأيه الصريح لفت الأنظار:
" أعتقد أنه لم يعد في قمة مستواه."، قال رايدر. "لم يتمكن من إنهائي. خطته كانت إيقافي، لكنه فشل."
وعلى الرغم من أن هذا الدفاع الروتيني عن اللقب لا يُشكّل محطة حاسمة في المسيرة الممتدة لألفاريز عبر 67 نزالًا، فإنه مثّل ثالث مواجهة متتالية يعجز فيها عن تحقيق الحسم بالضربة القاضية. ومنذ تلك الليلة، امتدت السلسلة إلى سبع نزالات كاملة وصلت جميعها إلى القرار النهائي، وذلك رغم فترات السيطرة الواضحة التي فرضها خلال تلك النزالات.
كان آخر إيقاف حققه في نوفمبر 2021 ضد
كاليب بلانت، وهو ثالث فوز له على التوالي داخل المسافة بعد انتصارات مبهرة على أفني يلديريم وبيلي جو ساوندرز. لكن الأمور لم تعد كما كانت.
السؤال الآن: ما هو موقع ألفاريز بين بقية العظماء الذين لا يزالون في القمة؟
فبعد أن هزم بلانت وأصبح بطلًا موحّدًا في الوزن فوق المتوسط، كان يُنظر إليه كأفضل ملاكم في العالم "بلا منازع" في تصنيفات باوند فور باوند.
لكن بعد مرور ما يقارب أربع سنوات، دفعت إنجازات
أولكسندر أوسيك،
ناويا إينووي و
تيرينس كروفورد ألفاريز إلى التراجع في التصنيفات بسبب عجزه عن إنهاء خصومه كما اعتاد.
فقد تراجع إلى المركز الثامن في قائمة مجلة
ذا رينج لأفضل 10 ملاكمين في جميع الأوزان " باوند فور باوند"، وهو موقع متواضع مقارنة بمكانته السابقة. نعم، فاز بسهولة على جون رايدر،
جارميل شارلو،
خايمي مونغويا و
إدغار برلانغا، لكن هذه الانتصارات الكبيرة دون إيقاف جعلت كثيرين يرون أنه في حالة انحدار.
وهو أمر منطقي بطبيعة الحال؛ فعند بلوغه الخامسة والثلاثين وبعد مسيرة احترافية امتدت لعشرين عامًا منذ أكتوبر 2005، لا جدال في أنه تجاوز ذروة عطائه. غير أن التساؤل الجوهري يتمثل في ما سيعنيه ذلك بالنسبة ل
نزال الثالث عشر من سبتمبر، حين يواجه تيرينس كروفورد في مواجهة وصفها مدير أعماله التجاري، ريتشارد شيفر، ب
أنها ’أكبر من نزال مايويذر–باكياو.المثير أن شيفر أطلق هذا التصريح بعد ساعة من آخر نزال لألفاريز، ذلك
الفوز الممل على ويليام سكول بالنقاط على مدى 12 جولة، والذي جلب له انتقادات أكثر من أي مواجهة أخرى في مسيرته.
فبعد مرور ما يقارب عامين على مواجهة رايدر، عاد ألفاريز ليظهر عاجزًا مجددًا عن الحسم بالإنهاء. والأسوأ من ذلك أن نزاله مع سكول أسفر عن تسجيل رقم قياسي سلبي جديد في سجلات CompuBox، تمثل في أدنى معدل للكمات الموجهة خلال نزال من 12 جولة على مدار أربعة عقود: 445 لكمة فقط.
المفاجأة الأكبر أن سكول كان مسؤولًا عن 293 لكمة، فيما اكتفى ألفاريز بـ152 فقط. ومع ذلك، لم يبدُ الأمر مهمًا بالنسبة له، إذ منحه الحكام الثلاثة الفوز بوضوح، حتى إن الحكم دانريكس تابداسان سجل له نتيجة (109-119).
تعرض سكول بدوره لانتقادات حادة، إذ في أهم نزال في مسيرته اختار أسلوبًا قائمًا على المناورة واللمسات السريعة دون نية حقيقية للفوز. بدا وكأنه أكثر اهتمامًا بتجنب الخطر والتحرك داخل الحلبة لإكمال المسافة، بدلًا من السعي إلى تحقيق الانتصار. صحيح أن
أسلوبه الكوبي السلس مكّنه من الصمود حتى النهاية، لكنه لم يُظهر في أي لحظة أنه قريب من الفوز.
لكن كثيرين يجادلون بأن مسؤولية إجبار المنافس على القتال تقع على عاتق البطل المدافع عن اللقب. كان ينبغي على ألفاريز أن يضغط، أن يطلق يديه، وأن ينهي النزال. "لقد كان نزالًا مملًا"، قال ألفاريز لاحقًا. "ملاكم لا يحاول الفوز، بل فقط البقاء على قيد الحياة. أكره هذا النوع من الملاكمين.
غير أنّ المنتقدين يؤكدون أنّ ألفاريز، في ذروة عطائه، كان سينهي مثل هذا الخصم بالضربة القاضية. لكنه بدا عاجزًا عن مطاردته أو المجازفة بالهجوم، مكتفيًا بتوجيه لكمات فردية أو مزدوجة متقطعة.
لا شك أنّ لكل نزال ظروفه الخاصة، فسكول (23 انتصارًا دون هزيمة) يُعدّ ملاكمًا متمكنًا وينافس في الوزن فوق المتوسط الطبيعي، بخلاف كلٍّ من ألفاريز وكروفورد. غير أنّ الواقع يؤكد أنّ كروفورد، بما يمتلكه من موهبة استثنائية تجعله قادرًا على التألق في أي حقبة، لن يواجه صعوبة تُذكر في اجتياز 12 جولة أمام النسخة الأخيرة من ألفاريز.
فالمكسيكي لم ينجح في تهديد سكول بأي لحظة حقيقية. وإذا واجه كروفورد السيناريو ذاته، فمن المرجح أن يهيمن على النزال بالنقاط، بل وقد ينجح في تحقيق إيقاف يُعد صدمة مدوية في تاريخ الملاكمة، نظرًا لمكانة الخصم وظروف المواجهة.
فإذا تمكن كروفورد – الذي بدأ مسيرته بوزن خفيف (Lightweight) أي أقل بـ33 رطلًا من حد وزن فوق المتوسط (168 رطلًا) – من هزيمة ألفاريز ليصبح بطلًا موحّدًا في هذا الوزن، فإنه سيدخل التاريخ كواحد من أعظم الملاكمين على الإطلاق. أما إذا حقق الفوز بالضربة القاضية، فسيكون ذلك من أعظم الانتصارات الفردية في تاريخ الملاكمة.
الآن الأمر متروك لألفاريز ليبرهن أن نزال سكول لم يكن سوى كبوة، وأنه لا يوجد بطل سابق في وزن المتوسط الخفيف (Junior Middleweight) مهما بلغت عظمته، قادر على الصمود أمامه.
إنها فرصته الأخيرة ليثبت خطأ رايدر وكل من شكك في قدرته.