مايريس بريديس يعيش تقاعده بسعادة. يبدو بصحة جيدة، وعضلات البايسبس تبرز من تحت قميصه الزاهي الألوان. وبينما نجلس لإجراء المقابلة، من الواضح أن الملاكم اللاتفي لا يزال يحافظ على لياقته البدنية، بعد أن احتفل بعيد ميلاده الأربعين في وقت سابق من هذا العام.

بريديس، بطل العالم ثلاث مرات في وزن المتوسط الثقيل خلال حقبة أولكسندر أوسيك، لا يزال يُعتبر من قبل الكثيرين خصمًا شرسًا لأوسيك. وقد اعتُبرت مواجهتهما في يناير 2018 الأصعب في مسيرة الأوكراني الذي لم يُهزم حتى الآن(23 انتصارا بدون هزيمة، 14 بالضربة القاضية). أوسيك أصبح لاحقًا بطل العالم بلا منازع في الوزن الثقيل، وقد يتمكن من تحقيق ذلك مجددًا الشهر المقبل.

أما عن جاي أوبتايا، فإن فوزه الصعب بقرار النقاط بعد 12 جولة ضد بطلٍ مخضرم ومتقدم في السن (بريديس) وعلى أرضه، وُصف في البداية بالمفاجأة، وربما بداية لتغيير الحرس في فئة كانت بحاجة إلى نفس جديد بعد رحيل أوسيك عن وزن المتوسط الثقيل قبل عامين.

وبعد ثلاث سنوات من نزالهم الأول في جولد كوست، يعود بطل الاتحاد الدولي للملاكمة (IBF) وبطل مجلة "ذا رينج" أوبتايا لمواجهة خصمه الثامن غير المهزوم، الإيطالي كلاوديو سكيو(17 انتصارا بدون هزيمة، 9 بالضربة القاضية)، نهاية هذا الأسبوع. ويتساءل كثيرون كم من الوقت سيستغرق الأمر قبل أن نشاهد نهاية درامية جديدة من أوبتايا.

سكيو، المصنف رقم 14 لدى الاتحاد الدولي، يحتل مركزًا أدنى من ديفيد نيكا(10انتصارات -هزيمة واحدة، 9 بالضربة القاضية)، الذي تلقى دعوة مفاجئة لخوض نزال قصير المدة في يناير الماضي، لكنه خسر بضربة قاضية قاسية في الجولة الأولى، بعدما انسحب الخصم الأصلي، حسين جنكارا(23 انتصارا بدون هزيمة، 19 بالضربة القاضية)، لإصابته بتمزق في أربطة الكاحل قبل النزال بشهر.

نزال يوم الأحد سيكون أول اختبار من 12 جولة لسكيو البالغ من العمر 34 عامًا، وهو ما يعد إشارة مقلقة، خاصة وأن أوبتايا(27 انتصارا بدون هزيمة، 25 بالضربة القاضية) لم يضطر للذهاب إلى قرار النقاط سوى مرتين فقط، وكان ذلك أمام أحد أعظم أبطال الوزن في التاريخ (في إشارة إلى بريديس).

ورغم تصاعد القلق حول تأخر توحيد الألقاب مع بطل WBA وWBO، المكسيكي جيلبرتو "زوردو" راميريز(47 انتصارا - هزيمة واحدة، 30 بالضربة القاضية)، فإن كل ما يمكن لأوبتايا فعله هو الاستمرار في التغلب على كل من يُوضع أمامه.

يقول بريديس لمجلة "ذا رينج"، بينما كان المدير العام للـIBA ألي سييستا بجانبه كمترجم عند الحاجة:

"هناك دائمًا نجم ساطع في وزن المتوسط الثقيل، والآن، من دون شك، هو جاي أوبتايا."

ويضيف محذرًا:

"المشكلة أن هذا الوزن كان دومًا رتيبًا. السبب يعود إلى ضعف التغطية الإعلامية، فمعظم الملاكمين هنا رجال طيبون، مثل كريس بيلام-سميث."

البطل السابق لمنظمة الـWBO وبطل الملاكمة البريطاني كريس بيلام-سميث(22 انتصار، 2 هزيمتان، 13 فوزًا بالضربة القاضية)، والذي سبق أن كان شريكًا في التدريبات مع مايريس بريديس، حقق فوزًا مريحًا بقرار جماعي بعد 12 جولة ضد الأمريكي براندون جلانتون ضمن العرض التمهيدي لنزال كريس يوبانك ضد كونور بين.

لكن الملفت أكثر من الأداء الفني، كان موقف بيلام-سميث الإنساني بعد النزال، حيث قام بتوبيخ جلانتون داخل الحلبة وفي النفق المؤدي لغرف الملابس بسبب سلسلة من التصريحات المسيئة والشخصية التي أطلقها الأمريكي قبل النزال. هذا التصرف يُجسد تمامًا شخصية بيلام-سميث، الذي لا يتردد لحظة في التصرّف كقدوة للأطفال والشباب، ويؤكد جدارته بلقب "الرجل النبيل" (The Gentleman).

ورغم أن أسلوبه في الملاكمة ممتع ومحبب للجماهير، فإن مواقفه الأخلاقية مثل هذه لا تلقى تغطية إعلامية كبيرة بعد النزال، على عكس تصريحات جلانتون النارية قبل النزال التي اجتذبت الكثير من الانتباه الإعلامي.

يتدخل ألي سييستا، المدير العام لـIBA، ليترجم تعليق بريديس وهو يواصل حديثه عن ضعف الحضور الإعلامي في وزن المتوسط الثقيل:

"في لاتفيا، هناك ملاكم يمتلك 5% فقط من موهبة مايريس، لكن القاعات تكون ممتلئة لمشاهدته، وهذا يوضح أهمية الحضور الإعلامي."

ويضيف بريديس:

"الناس يحبون القصص والجدل. لست بحاجة لأن تكون بلطجيًا لتجذب الجماهير، لكنك تحتاج شيئًا ما يلفت الانتباه. أوسيك مثال رائع: موهوب جدًا، لديه حس فكاهي وروح استعراضية، لا يتحدث الإنجليزية جيدًا، ومع ذلك يستخدم الجميع عباراته الشهيرة!"

ورغم أن بريديس لم يذكر اسم الملاكم اللاتفي الذي يقصده، إلا أن بحثًا سريعًا يشير إلى أنه ميلانز فولكوفز(11 انتصار، 3 هزائم، 2 تعادل، 6 بالضربة القاضية)، والذي يعود هو الآخر إلى الحلبة هذا الأحد ليواجه الإيطالي فابيو تورشي(24 انتصارا -3 هزائم، 16 بالضربة القاضية) في فلورنسا، إيطاليا، على لقب الـWBO Global الشاغر – وهو لقب سبق لأوبتايا أن حمله ودافع عنه. والجدير بالذكر أن براندون جلانتون، ديفيد لايت (منافس سابق على اللقب)، وألبرت راميريز(20 انتصارا بدون هزيمة، 17 بالضربة القاضية) هم جميعًا من آخر من حملوا هذا الحزام.

أما بادو جاك، حامل لقب الـWBC (29 انتصارًا، 3 هزائم، 3 تعادلات، 17 فوزًا بالضربة القاضية)، فهو بطل عالم في عدة فئات وزنية، وقد استقر مؤخرًا في وزن المتوسط الثقيل (200 رطل). وعلى الرغم من أنه سبق وأن استخف بفكرة مواجهة جاي أوبتايا، معتبرًا أن الأسترالي لا يتمتع بالجاذبية الجماهيرية الكافية أو الشهرة اللازمة، إلا أن اسم أوبتايا يواصل الصعود بقوة مع كل أداء يقدّمه داخل الحلبة.

بريديس يعلّق على ذلك قائلاً:

"إذا أراد أن يعرف حقيقة قدرات أوبتايا، فعليه أن يواجهه داخل الحلبة. جاي دمّر ديفيد نيكا وفعل الشيء نفسه مع الجميع باستثنائي أنا. أنظر إلى عينيه، سترى نارًا مشتعلة، إنه فريد من نوعه، يملك جاذبية المحارب القتالي الأقصى. حتى تدريبه على الأكياس يعطيك شعورًا أن هناك ملاكما حرًا."

يعترف بريديس بصراحة أن قرار الاعتزال لم يكن سهلًا إطلاقًا، لكنه جاء نتيجة مزيج من الإصابات التي لم تُشفَ، والمشاكل الترويجية، وقلة النشاط القتالي، ما دفعه إلى الاقتناع أن الوقت قد حان.

"في سن الأربعين، بدأت آثار التآكل الجسدي تظهر علي. لا زلت أعاني من إصابة في الكتف لم تُشفَ بشكل كامل منذ نزال أوبتايا. بعد نزالنا الثاني، ظهرت لدي مشكلات في العمود الفقري والكتف. أدركت أنني قادر على تحمل الألم، لكن لا أريد ذلك. إما أن أكون قادرًا على المنافسة، أو لا مكان لي في الحلبة."

"في نزالنا الأول، بدأت الهجوم متأخرًا، لكنني كسرت فكه في موضعين، وكنت على بُعد شعرة من الفوز. في النزال الثاني، كنت في حالة بدنية سيئة للغاية، ومع ذلك كنت لا أزال منافسًا."

هكذا يتحدث مايريس بريديس بثقة وهو يسترجع لحظات نزاله مع جاي أوبتايا، الذي بات اليوم نجمًا متصاعدًا في وزن المتوسط الثقيل.

ويُضيف بريديس:

"أعمل حاليًا على مشاريع أخرى؛ السياسة في لاتفيا، وأرغب في تطوير رياضة الملاكمة أيضًا. هناك اهتمام متزايد، لكنهم بحاجة لتوفير الظروف الصحيحة لجعلها ناجحة."

ثم يتحدث بواقعية ناضجة عن الحياة بعد الملاكمة:

"حياة الملاكم قصيرة، ولهذا من المهم جدًا تعلّم مهارات أخرى. كثير من المحترفين يجدون أنفسهم فارغين بعد الاعتزال، لا مؤهلات، لا مهارات، وقلة قليلة فقط يمكنهم التقاعد وفي حسابهم ما يكفي من المال. أن تبدأ حياتك من جديد وأنت في أوائل الأربعينات أمر ليس سهلًا."

ويضيف بابتسامة تعكس الجانب الإنساني:

"الآن أعوض ما فاتني في التعليم – أدرس الرياضيات والفرنسية مع أولادي – لم يكن لدي الوقت لذلك وأنا صغير. الآن أبدل الموسيقى بالبودكاست والكتب الصوتية أثناء القيادة، أتعلم شيئًا جديدًا كل يوم."

رغم شغفه الواضح بالمعرفة، يبقى حديث بريديس عن الملاكمة مباشرًا وصريحًا. عندما سُئل عن توقعاته لمواجهة محتملة بين أوبتايا وجيلبرتو "زوردو" راميريز، أو نزال خيالي بين أوبتايا وأولكسندر أوسيك في الوزن الثقيل، كان جوابه كالتالي:

"أوبتايا ضد أوسيك في الوزن الثقيل ستكون معركة صعبة بين بطلَين رائعَين. أوسيك أكثر خبرة، لكنه لم يعد شابًا. الخصم الذي لا يمكنك هزيمته أبدًا هو الزمن."

"أما زوردو، فمواجهة صعبة أخرى، لكنه سيخسر. إنه أعسر قوي، لكن جاي يملك الأفضلية."

راميريز، الذي انتقل إلى وزن الكروزر بعد أن فشل بشكل كبير في تحقيق الوزن المطلوب قبل نزاله المرتقب ضد غابرييل روزادو في مارس 2023، كان قد خسر بشكل واضح أمام بطل العالم بلا منازع في الوزن الخفيف الثقيل، دميتري بيفول، قبل ذلك بأربعة أشهر.

والآن، سيخوض راميريز نزالَه الثالث في وزن الكروزر ضد الخصم الكوبي الخطير يونييل دورتيكوس(27 فوزًا، 2 هزيمتان، 25 بالضربة القاضية)، الذي عاد بثلاث انتصارات سريعة بالضربة القاضية أمام خصوم مغمورين، منذ أن خسر بقرار النقاط أمام بريديس في سبتمبر 2020، في نزال على لقب الـIBF.

أما محاولة بريديس المثيرة للجدل لمواجهة نجم اليوتيوب والملاكم المثير للجدل جيك بول – بما في ذلك التاتو الشهير – فقد تم تجاهلها بحكمة. ومع ذلك، من غير المفاجئ أن يظهر راميريز في النزال التمهيدي الرئيسي للعرض الذي سيُختتم بمواجهة جيك بول ضد خوليو سيزار تشافيز جونيور في وقت لاحق من هذا الشهر.

راميريز سيبلغ 34 عامًا بعد أسبوعين، وأوبتايا سيكمل عامه الثلاثين بعد يومين فقط من دفاع راميريز الإلزامي المرتقب عن لقبه. وبحسب تصريحات أوبتايا لمجلة ذا رينج، فإنه لا يلوم راميريز إن اختار ملاحقة المال وواجه جيك بول إن فاز على تشافيز الابن، لكنه يعترف:

"في كل الأحوال، نحن فقط نؤجل ما لا مفر منه."