الرياض – صباح الأحد في الرياض، المملكة العربية السعودية، ستتجه أنظار عالم الملاكمة إلى المكسيك وكوبا،
حيث يلتقي كانيلو ألفاريز وويليام سكول في نزال على لقب بطل العالم الموحد في وزن فوق المتوسط. إنها لحظة تاريخية بحق، إذ يخوض نجم الملاكمة الأكبر أول نزال له خارج وطنه أو الولايات المتحدة،
ضمن إطار اتفاقية رباعية أبرمها مع معالي المستشار تركي آل الشيخ وموسم الرياض.كان آخر ظهور لألفاريز في الحلبة عندما تغلّب على إدغار برلانغا في سبتمبر، في نزال كان يُعتبر من الناحية التقليدية مواجهة قومية ذات طابع تاريخي بين المكسيك وبورتو ريكو. إلا أن التنافس بين المكسيك وكوبا، والتداخل بين ثقافتي الملاكمة في البلدين، يحمل أهمية بالغة وتاريخية لهذه الرياضة.
رغم استمرار الجدل عالميًا حول تحديد من يستحق لقب "وجه الملاكمة" الحقيقي، يرى كثيرون أن كانيلو ألفاريز هو الأحق بهذا اللقب في الوقت الراهن – وهو أمر يرتبط، بطبيعة الحال، بكيفية تعريف هذا المفهوم. ومع ذلك، يصعب الاختلاف حول حقيقة أن أياً من الملاكمين المعاصرين لم يكن له تأثير أكبر على المشهد العام لرياضة الملاكمة، خصوصًا فيما يتعلق بالبث التلفزيوني ونقل النزالات على المستوى العالمي.
فأينما ذهب كانيلو، تبعه التيار؛ فقد قاد موجات النجاح لصالح قنوات HBO، وShowtime، وPBC، وأخيرًا ولمدة ثماني سنوات متواصلة، لصالح DAZN. وفيما يتعلق بالبث التلفزيوني للملاكمة في أمريكا الشمالية، فإن هذه الحقبة هي بلا شك "عصر كانيلو".
ومن المثير للانتباه، أن سرد حكاية الملاكمة المتلفزة لا يمكن أن يكتمل دون التطرق إلى حقبة أواخر الخمسينيات والستينيات، والتي برز خلالها ملاكم مكسيكي واحد وعدد من الخصوم الكوبيين. فلم يظهر أي ملاكم على شاشات التلفاز في ما يُعتبر "العصر الذهبي للملاكمة المتلفزة" أكثر من جاسبار أورتيغا، الملاكم المثير في وزن الويلتر، الذي خاض 176 نزالًا خلال مسيرته.
وقد بُثّ العديد من نزالات أورتيغا ضمن أول سلسلتين تلفزيونيتين طويلتي الأمد في الملاكمة: "نزالات بابست بلو ريبون" كل أربعاء، و"موكب جيليت الرياضي" كل جمعة، وكلاهما عُرض على التلفاز الوطني الأمريكي، وفي المناطق القادرة على التقاط الإشارة. ولعل جيلًا بأكمله اقترن بوجود أورتيغا.
شكّل أول نزال متلفز لأورتيغا محطة بارزة في مسيرته، لشخصية أسهمت بعمق في ترسيخ شعبية الملاكمة على الشاشة، حيث واجه الكوبي إسحق لوغارت، المصنّف رابعًا عالميًا في تصنيف مجلة 'ذا رينج' آنذاك. ووفقًا لما أورده توني روندينوني في كتابه 'ملاكم ليلة الجمعة'، فقد كان هذا اللقاء امتدادًا لجلسة تدريبية جمعت الطرفين.
فقد أرهق أورتيغا لوغارت خلال تلك الجلسات التدريبية التي جاءت بين انتصارات لوغارت على فيرجيل أكينز ورونالد فوينتيس. وبينما قد يلجأ ملاكم اليوم إلى ضم خصمه القوي ضمن فريقه أو تجنبه لاحقًا، قرر المروج – بعد مشاهدته تلك التدريبات – أن ذلك سيشكل نزالًا مثاليًا للبث التلفزيوني.
كان لوغارت جزءًا من موجة ملاكمين كوبيين ظهرت على الشاشات منذ أربعينيات القرن الماضي وحتى الستينيات، إلى جانب كيد غافيلان، فلورينتينو فرنانديز، وبيني باريت – وجميعهم واجههم أورتيغا. وبعد أن أعيد إحياء الملاكمة الاحترافية في كوبا عام 1951، اندفعت مواهب استثنائية إلى ساحة التلفزيون، لتسبق كوبا بذلك سائر دول أمريكا اللاتينية.
ومما يجدر ذكره أن "الأسلوب الكوبي" المعروف اليوم – القائم على الاقتصاد والدفاع – لم يكن هو النهج السائد آنذاك؛ إذ قدّم لوغارت، وفرنانديز، وباريت بعضًا من أعنف المواجهات خلال ذلك العقد، بما في ذلك مأساة باريت الشهيرة. حتى غافيلان، برغم مهارته الفائقة، لم يكن بمنأى عن النزالات العنيفة، لدرجة أن نزاله ضد تشاك ديفي حقق نسبة مشاهدة بلغت 67.9% من إجمالي الجمهور الأمريكي.
كان أول لقاء بين أورتيغا ولوغارت في 16 مارس 1956 مثالًا لنزال من طرف واحد لكن تنافسي. فقد وجه لوغارت إلى خصمه لكمات قاسية و عنيفة، بينما واصل أورتيغا الرد بلا كلل. وعندما أُعلن فوز لوغارت بإجماع الحكام، علت صيحات الاستهجان – لا اعتراضًا على النتيجة، بل حبًا بالبطل المكسيكي الملقب بـ"إنديو"، الذي دخل الحلبة مرتديًا غطاء رأس تقليديًا تكريمًا لوالدته ذات الأصول الأصلية، والتي كانت تتابعه من تيخوانا.
تواجها ثلاث مرات أخرى خلال أقل من عامين، حيث فاز كلٌ منهما مرتين، وأنهى أورتيغا عام 1956 في المركز الثاني عالميًا، بينما ظل لوغارت في المركز الرابع . وبعد عامين، نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالًا بعنوان "اللكمة وحدها لا تكفي، الملاكم المعاصر يجب أن يكون شخصية.
ورغم أن الطابع الاستعراضي لم يكن غريبًا عن عالم الملاكمة، فإن ظهور التلفزيون أوجد وسيلة جديدة دائمة لهذا العرض، وأضحت صور أورتيغا بزيه التقليدي، وإلى جانبه عازف غيتار، بمثابة النموذج الأساسي لما يُتوقع من الملاكم تقديمه على صعيد الترويج. ويمكن
تتبع جذور هذا التقليد في حضور تيوفيمو لوبيز متقمصًا شخصية 'إل سانتو'، أو كانيلو بأزيائه الفاخرة، بوصفهما امتدادًا لهذا الإرث.
لكن سرعان ما حظر فيدل كاسترو الملاكمة الاحترافية في كوبا عام 1962، لتتحول علاقة المكسيك وكوبا في الملاكمة الاحترافية إلى شراكة. فقد وجد اثنان من أعظم الملاكمين ، شوغر راموس وخوسيه نابوليس، ملاذًا في المكسيك لمواصلة مسيرتيهما.
واستمر هذا النهج في العصر الحديث، إذ سمح لكوبيين مقيمين في كوبا بخوض نزالات احترافية لأول مرة عام 2022، في حدث أُقيم بمدينة أغواسكاليينتس بالمكسيك، حيث سمح الاتحاد الكوبي للملاكمة للملاكمين بالاحتفاظ بـ80% من مكافآتهم، مما أنهى الحظر على الاحتراف.
وقد مهّد ذلك الطريق لحدث أكثر رمزية أقيم قبل أسابيع قليلة في فاراديرو، حيث شهدت كوبا أول نزال احترافي يُقام على أرضها منذ عام 1961، أحرز خلاله الفوز عددٌ من الأبطال الأولمبيين، أمثال خوليو لا كروز، وآرلين لوبيز، وإريسلاندي ألفاريز، ولازارو ألفاريز.
أما المروج لذلك الحدث؟ فهو AGON Sports، المروج الألماني الذي يدعم أيضًا ويليام سكول.
وسيلقي الطابع المكسيكي-الكوبي بظلاله أيضًا على نزال آخر مساء الأحد، مع عودة برايون ليون، بطل الشباب الكوبي مرتين، الذي انضم إلى فريق المدرب إيدي رينوسو. وكان ليون شريكًا أساسيًا في معسكر إعداد كانيلو لمواجهتي سكول وبرلانغا، ويطمح إلى مزج أسلوبه الكوبي الكلاسيكي مع فلسفة رينوسو التدريبية للارتقاء سريعًا في وزن خفيف الثقيل، بدءًا بمواجهة خصمه المكسيكي آرون غيريرو هذا الأسبوع.
إن قصة الملاكمة المتلفزة لا تكتمل دون سرد هذه المنافسة – وهذه العلاقة كذلك – بين المكسيك وكوبا، وسيستمر هذا الإرث مع تتويج بطل عالمي موحد جديد ينتمي إلى إحدى هاتين الدولتين.