حين طُرِح اسم سيدني سويني لتجسيد شخصية كريستي مارتن، لم تصدّق الممثلة الأميركية أنها لم تسمع من قبل عن “ابنة عامل المناجم” — الملاكمة التي تحوّلت قصتها إلى أسطورة إنسانية وملهمة في آنٍ واحد.

فكما يعرف عشاق الملاكمة، فإن حكاية كريستي مارتن استثنائية بكل المقاييس؛ مزيج من المأساة والإلهام، لدرجة أن من يشاهد فيلم “Christy” الذي سيُعرض في صالات السينما يوم الجمعة، سيظن أنه مجرّد حبكة درامية من صنع هوليوود. لكن ما إن يكتشف المشاهد أن ما يراه قصة حقيقية تكاد تخلو من أي مبالغة درامية، حتى تكون ردة فعله مشابهة لدهشة سويني عندما قرأت السيناريو لأول مرة.

كيف يمكن أن تمرّ قصة امرأة هربت من فقرٍ مدقع لتصبح نجمة غيّرت وجه الملاكمة النسائية، ثم نجت من الإدمان ومحاولة قتل على يد زوجٍ عنيف، من دون أن تتحوّل إلى فيلمٍ من قبل؟

وكيف لا تكون كريستي مارتن اليوم نجمة عالمية تتجاوز شهرتها حدود عالم الملاكمة؟

قالت سويني لمجلة ذا رينج:

“كنت أشعر بالإلهام كل يوم. منذ اللحظة التي قرأت فيها النص، لم أستطع التوقف عن التفكير فيها.

أعتقد أن قصة كريستي ستفتح آفاقًا جديدة لكثير من الناس، لأنها تمسّ تحدياتٍ عديدة في الحياة. لقد واجهت كل شيء وتغلّبت عليه، وهي نموذج مدهش وقدوة حقيقية. كل يوم كنت أشعر بعظمة شخصيتها وبأهمية أن أروي قصتها كما تستحق.”

ويبدو أن السؤال عن سبب جهل كثيرين بقصة مارتن لم يعد مطروحًا الآن، إذ يُنتظر أن يُخلّد أداء سويني المميز في تجسيد الدور إرث كريستي مارتن، تمامًا كما خُلّد من قبل أبطال منسيّون في أفلام مثل جيم برادوك وفيني باز.

كريستي مارتن ليست غريبة عن الأضواء؛ فقد خاضت نزالاتها على قنوات الدفع مقابل المشاهدة، وظهرت في مجلات وبرامج حوارية عديدة. لكنها اليوم تعيش دورًا جديدًا كمروّجة إقليمية ومعلّقة على نزالات من تنظيم دون كينغ.

وتعترف مارتن أن العودة إلى دائرة الضوء من جديد بعد تجسيد قصتها على الشاشة أمر يثير مزيجًا من الحماس والرهبة.

قالت مارتن:

“بدأتُ أدرك حجم ما يحدث للتو. أشعر أن على عاتقي مسؤولية تجاه الناس — أن أستمر في إلهامهم وتغيير حياتهم.

سيدني قامت بعملٍ مذهل، والآن دوري أن أكون على قدر هذا الإلهام. لا يمكنني التراجع أو خذلان أحد. أتلقى يوميًا رسائل من أشخاص يقولون إنني ألهمهم — وهذا شعور يفوق الوصف.”

نشأت سويني على رياضات القتال؛ مارست المصارعة والركل، وتدرّبت تحت إشراف جين ليبيل، المعروف بـ“عرّاب المصارعة”، والذي ساهم في تأسيس رياضة الفنون القتالية المختلطة (MMA).

هذا الإرث القتالي منحها قدرة فريدة على فهم الصراع الجسدي والنفسي داخل الحلبة، وهو ما انعكس بوضوح في أدائها لشخصية مارتن داخل الفيلم.

وعلى خلاف كثيرٍ من أفلام الملاكمة التي تُنتقد لابتعادها عن الواقعية، نجحت سويني في تقديم صورة حقيقية تمامًا للملاكمة مارتن.

ويرجع ذلك إلى طبيعة نزالات مارتن نفسها، التي كانت غالبًا تتحوّل إلى معارك مفتوحة مليئة بالإثارة — وهو ما جعلها محبوبة لدى الجماهير.

ولإعادة تجسيد هذه اللحظات، تعاونت سويني مع المخرج ديفيد ميشود، ومدير التصوير جيرمين مكميكنغ، ومنسق الحركات القتالية والتر غارسيا، لتقديم مشاهد حلبة مطابقة تقريبًا للواقع في أدق تفاصيلها.

أثناء تحضيراتها للفيلم، انغمست سِدني سويني في دراسة شخصية كريستي مارتن بعمق، إذ شاهدت عشرات الساعات من تسجيلات نزالاتها لتفهم تفاصيل أسلوبها القتالي ودقّة حركتها وتقنياتها داخل الحلبة.

وقد أتقنت أدق التفاصيل — مثل استخدام الضربة المزدوجة باليسار متبوعة باليمين ثم الخطاف — وهي التركيبة التي كانت سلاح مارتن الأشهر في بدايات نزالاتها.

لم تكتفِ سويني بالمشاهدة؛ فقد رافقتها مارتن بنفسها خلال مراحل التصوير، تقدم الملاحظات وتكشف عن حركاتها وسلوكها الواقعي داخل الحلبة وخارجها.

تقول سويني:

“أنا أندمج تمامًا في شخصياتي، لكن وجود كريستي بجانبي غيّر كل شيء. كانت بمثابة مرشدٍ حيٍّ داخل التجربة، وساعدتني على فهمها بعمق. ومع هذا الكمّ من المواد المصوّرة والملاحظات المباشرة، شعرت أنني فقدت ذاتي داخل الشخصية — وهذا بالضبط ما يجعل الفنّ جميلًا.”

للوصول إلى اللياقة والمظهر المطلوبين، بنت سويني صالة تدريب خاصة في مرآب جدتها، وخاضت معسكرًا تدريبيا قاسيًا دام 12 أسبوعًا، على غرار ما يفعله الملاكمون المحترفون.

كانت تخضع لجلستَي تمارين بالأوزان يوميًا، صباحًا ومساءً، وبينهما تدريب ملاكمة مكثّف لثلاث ساعات.

وتقول إنها تناولت كمية كبيرة من البروتين لتكتسب في النهاية نحو 16 كيلوغرامًا من العضلات استعدادًا للدور.

«عملتُ بجدٍّ على إتقان الخطّاف الأيسر، لأنه كان العلامة المميّزة لأسلوب كريستي. وأعتقد أنني أصبحت أمتلك خطّافًا قويًا بالفعل!

أكثر ما تعلمته هو الصمود — أستطيع تلقي الضربات والاستمرار. لا أظن أنني سأسقط بسهولة، لأن إصراري أقوى من الألم.”

لم تكتفِ سويني بالتدريب فحسب؛ بل دخلت الحلبة فعليًا لمواجهة كريستي مارتن في جلسة تدريب حقيقية أمام طاقم التصوير.

وخلالها، فوجئت مارتن وهي تتلقى الضربات نفسها التي اشتهرت بها على مدار حياتها.

قالت مازحةً:

“لقد دخلتُ الحلبة معها فعلاً، وتلقيتُ منها ضرباتٍ متقنة. كانت تضرب تمامًا كما كنتُ أفعل!

تخيّلوا — تدربت على الملاكمة لثلاثة أشهر فقط، ومع ذلك استطاعت أن تُقلّد كل حركاتي بدقة. هذا أمر مذهل.”

لم تكن التحديات الجسدية هي الأصعب في الفيلم؛ فالقصة تتناول مواضيع ثقيلة ومؤلمة مثل العنف المنزلي، والتمييز ضد المرأة، والمجتمع الذكوري القاسي.

وقد واجهت مارتن صعوبة في حضور بعض مشاهد التصوير، خاصة تلك التي جسدت لحظات العنف التي عاشتها مع زوجها السابق جيم مارتن، الذي أدّى دوره الممثل بن فوستر.

“الأيام الممتعة كانت تلك الخاصة بالملاكمة، أما المشاهد الأخرى فكانت قاسية جدًا.

في بعض الأيام اضطررتُ للابتعاد عن موقع التصوير حتى لا تؤثر طاقتي السلبية على أداء سيدني.

أما في الأيام التي صورنا فيها مشاهد الحلبة، فكنّا نستمتع حقًا ونقضي وقتًا رائعًا نضحك فيه معًا.»

تطورت بين سويني ومارتن صداقة حقيقية خلال التصوير، إذ ظهرتا معًا في احتفالية قاعة مشاهير الملاكمة الدولية في يونيو، كما شوهدتا مؤخرًا في إحدى مباريات نهائي دوري البيسبول في ملعب “دودجر”.

ويبدو أن سويني أصبحت شغوفة بالملاكمة حتى أنها قالت ممازحة:

“خلال التصوير، راودتني فكرة أن أترك التمثيل وأصبح ملاكمة حقيقية!

كريستي قالت إنها ستتولى تدريبي بنفسها، وربما أشارك في نزال خيري في المستقبل — من يدري؟”

وأضافت ضاحكة:

“لم يطلب أحد رسميًا أن أدخل الحلبة بعد، لكني تلقيت بعض الرسائل المثيرة للاهتمام من ملاكمين… لن أكشف الأسماء!”

اليوم، يبدو أن سيدني سويني فعلت ما يكفي لتُعيد كريستي مارتن إلى دائرة الضوء وتخلّدها في ذاكرة الجمهور، ليس كملاكمة فقط، بل كإنسانة انتصرت على الألم وواجهت الحياة بشجاعةٍ نادرة.