في إحدى لحظات ليلة الجمعة، اضطر ديمتري ساليطا إلى مغادرة القاعة التي كانت تستضيف عرضًا ترويجيًا نظمته شركته ضمن فعاليات عطلة نهاية الأسبوع الخاصة بإدخال الأسماء إلى قاعة مشاهير الملاكمة الدولية.

رغم رغبته في متابعة جميع النزالات الثمانية من مقعده على الحلبة في منتجع كازينو تيرنينغ ستون بمدينة فيرونا، نيويورك، إلا أن التزامه الصارم بتعاليم السبت اليهودي، الذي يبدأ مع غروب شمس الجمعة وينتهي مساء السبت، دفعه إلى المغادرة احترامًا لمعتقداته كمُتديّن يهودي أرثوذكسي.

هذه القيود الدينية هي الشيء الوحيد تقريبًا الذي يمكن أن يبعد ساليطا، البالغ من العمر 43 عامًا، مؤقتًا عن عالم الملاكمة. فبعد أحد عشر عامًا على نزاله الأخير في نوفمبر 2013، لا يزال ساليطا صامدًا في طريقه نحو هدفه الأكبر: أن يصبح من بين نخبة المروّجين في هذه الصناعة الشرسة.

يواجه ساليطا التحديات في مجال الترويج بنفس العزيمة التي واجه بها نقص موهبته البدنية في شبابه، عندما كان يتدرّب إلى جانب ملاكمين أكثر موهبة منه في نادي ستاريت سيتي للملاكمة في بروكلين.

ورغم أنه لم يصل بعد إلى ما يطمح إليه كمروّج، لا يتخيّل ساليطا نفسه في مهنة أخرى. كان بإمكانه سلوك طريق مختلف بعد حصوله على شهادة البكالوريوس من جامعة "تورو" في نيويورك عام 2012، لكنه يؤمن بأن الملاكمة تسري في دمه.

قال ساليطا لمجلة ذا رينج:

"كرّست جزءًا كبيرًا من حياتي للملاكمة، وأشعر بعلاقة حميمة ووثيقة وعاطفية جدًا بها. نزفت من أجلها، وتعرّقت، وبكيت، وضحكت، وأشعر أن لدي المهارات التي تؤهلني لأكون من بين أفضل المروّجين في اللعبة. وكنت على استعداد لدفع الثمن من أجل المرور بكافة المراحل في عالم الترويج."

بدأ ديمتري ساليطا مسيرته في مجال الترويج عام 2010، بينما كان لا يزال يمارس الملاكمة كمحترف. وبعد هزيمته بالضربة القاضية الفنية في الجولة الأولى أمام أمير خان، بطل رابطة الملاكمة العالمية (WBA) في وزن السوبر خفيف آنذاك، في ديسمبر 2009، توصّل إلى قناعة بأن الوقت قد حان ليبدأ العمل لحسابه كمروّج مستقل.

طوال مسيرته، تابع ساليطا عن كثب ما كان يدور خلف الكواليس أثناء عمله مع كبار المروّجين مثل "توب رانك" بقيادة بوب آروم، و"دي بيلا إنترتينمنت"، و"سكوير رينغ"، و"غولدن بوي بروموشنز". هذه التجربة علّمته الكثير ومهّدَت له الطريق ليصبح مروّجًا بدوام كامل، بدعم من مستثمرين غير معلنين، بعد اعتزاله عقب هزيمته بقرار إجماعي أمام غابرييل براسيرو في نزال من 10 جولات قبل أكثر من 11 عامًا.

قال ساليطا:

"كل ذلك كان بمثابة تعليم كبير لي—مشاهدة كيف تعمل الشركات الكبرى الناجحة وكيف تدير أعمالها. أعتقد أن من نقاط قوتي قدرتي على اكتشاف المواهب وتطويرها بالشكل الصحيح، لضمان وصولها إلى أقصى إمكاناتها. وأدين بالكثير من هذا الفهم إلى تجربة ’توب رانك‘. أتذكر أنهم كانوا يوظفون ثلاثة أو أربعة صانعي نزالات، إلى جانب عدد مماثل من مسؤولي الإعلام، من بين الأفضل في المجال. من الواضح أن تطوير الملاكمين وسرد قصصهم أمران في غاية الأهمية."

من أبرز المحطات في مسيرة ساليطا الترويجية تمثيله للملاكمة كلاريسا شيلدز منذ نزالها الاحترافي الثاني، حيث أسهم في تسليط الضوء على واحدة من أكثر القصص إلهامًا في الملاكمة خلال القرن الحادي والعشرين.

تمكّنت كلاريسا شيلدز من تجاوز تحديات قاسية في حياتها، من أبرزها تعرّضها للاعتداء ، لتصنع واحدة من أكثر المسيرات الرياضية تميزًا في تاريخ الملاكمة. وقد تُوّجت هذه المسيرة الاستثنائية بإحراز ميداليتين ذهبيتين أولمبيتين، إلى جانب ألقاب عالمية في خمس فئات وزنية مختلفة، ما جعلها تُصنّف كأكثر الملاكمات تحقيقًا للإنجازات في تاريخ الرياضة. وقد تم تجسيد رحلتها الملهمة في فيلم سينمائي كبير بعنوان "The Fire Inside"، عُرض في دور العرض الأمريكية خلال عطلة عيد الميلاد.

وقد نُقلت نزالات شيلدز عبر قنوات كبرى مثل HBO و Showtime و DAZN.

كما عمل ساليطا مع عدد من الملاكمين البارزين مثل، جيرمين فرانكلين، أوتو والين، فلاديمير شيشكين، شهجاهون إرغاشيف، و نيكولاي بوتابوف. ومؤخرًا أصبح مروّجًا مشاركًا للملاكم بطل الـIBF السابق في وزن السوبر خفيف سوبرييل ماتياس، ووقّع أيضًا مع بطلة WBC للسيدات في وزن السوبر متوسط فرانشون كروز ديزورون.

من جهته، عبّر المروّج المخضرم لو دي بيلا، الذي كان من بين من روّجوا سابقًا لساليطا، عن إعجابه بعزيمة هذا الأخير في شق طريقه كمروّج دون أن يحظى بدعم قوي من شبكات البث أو منصات البث المباشر. ورغم أن DAZN تنقل بعض عروضه، مثل العرض الأخير يوم الجمعة، إلا أن ميزانيته تبقى أقل بكثير من تلك التي تديرها أسماء كبيرة مثل بوب آروم، أوسكار دي لا هويا، إيدي هيرن، وفرانك وارن.

قال دي بيلا:

"أعتقد أنه يعمل بجد، ويسعى بكل ما أوتي من جهد. ومع استمرار النظام الترويجي الحالي، نحن بحاجة إلى مروّجين شباب، خاصة من يعرفون جيدًا ما يعنيه أن تكون ملاكمًا، وساليطا واحد منهم. أنا معجب به."

لكن كما هو الحال في عالم الملاكمة المعقد، لم تكن علاقات ساليطا كلها ودية. فقد دخل في نزاعات قانونية مع عدد من الملاكمين والمديرين والمروّجين، أبرزها دعوى مطولة مع جريل ميلر، الأمر الذي دفعه إلى الالتحاق بدراسة القانون عبر الإنترنت قبل عامين لفهم الجوانب القانونية في مهنته بشكل أفضل.

قال ساليطا:

"بعض الذين خضت معهم هذه الخلافات تربطني بهم اليوم علاقات جيدة. الأمر يشبه المدرسة: في البداية قد يسخر منك البعض بسبب حذائك البالي أو لأنك لا تملك ما يكفي من المال، لكن حين تدافع عن نفسك، تفرض احترامك. وأنا دافعت عن نفسي."

وقد صادقت المحكمة على صحة عقد ساليطا مع جريل ميلر، ما مكّنه من الاستمرار كمروّج رسمي له حتى وقت قريب. وشكّلت إحدى أكثر اللحظات إحباطًا في مسيرته الترويجية حين أخفق ميلر في اجتياز اختبار الكشف عن المنشطات عام 2019، الأمر الذي حرمه من خوض نزال مرتقب أمام أنطوني جوشوا على ألقاب الوزن الثقيل في ماديسون سكوير غاردن. وكان ذلك النزال ليُعدّ الفرصة المالية الأكبر في مسيرة كل من ميلر وساليطا على حد سواء.

ورغم تلك الانتكاسة، تعامل ساليطا مع الموقف كفرصة للتعلّم، وحرص على التعمّق في فهم آليات عمل وكالة VADA للكشف عن المنشطات وإجراءاتها التنظيمية.

قال:

"الملاكمة مجال قاسٍ جدًا. الكثير من الأشخاص الأذكياء والناجحين دخلوا هذا المجال ولم يتمكنوا من البقاء فيه. من الطبيعي أن تشعر بالشك والخوف والقلق، لكن ثمة شيء في داخلي يخبرني بأن الأمور ستكون على ما يرام، وأنني سأنجح."

وقد تحظى شركة ساليطا بدفعة قوية في حال تمكّن الملاكم البورتوريكي ماتياس (22 فوزًا، 22 بالضربة القاضية، و هزيمتان) من الفوز على بطل WBC في وزن 140 رطلاً ألبرتو بويلو (24 فوزًا، 10 بالضربة القاضية، دون هزيمة) ضمن بطاقة "Ring III" المدفوعة، المقررة في 12 يوليو بملعب لويس أرمسترونغ في نيويورك.

أما شيلدز (16 فوزًا، دون هزائم، 3 بالضربة القاضية) فستتصدر عرضًا جديدًا تنظمه Salita Promotions يوم 26 يوليو في قاعة "ليتل سيزرز أرينا" في ديترويت، حيث ستدافع عن ألقاب IBF وWBA وWBC وWBO في الوزن الثقيل أمام لاني دانيلز (11 فوزًا، هزيمتان، وتعادلان، 1 بالضربة القاضية)، في نزال من 10 جولات يُبث عبر DAZN.

ويواصل ساليطا تنظيم عروض محلية في منطقة ديترويت، التي يقيم في إحدى ضواحيها، يروّج من خلالها للمواهب الواعدة التي تمثل شركته.

واختتم لو دي بيلا قائلًا:

"كما قال ديمتري، إنه يسعى لإثبات مكانته في هذا المجال. فليس لديه مسيرة طويلة تمتد لعقود على أعلى المستويات، بل يبذل قصارى جهده لبناء مستقبله من الصفر. وحتى الآن، ينجح في الحفاظ على وجوده داخل الساحة، ويشقّ طريقه بأسلوبه الخاص، وهو ما يُعدّ إنجازًا كبيرًا في بيئة تنافسية صعبة.بينما فضّل العديد من العاملين في هذا المجال الانسحاب خلال السنوات الأخيرة، يواصل ديمتري التقدّم بثبات في الاتجاه المعاكس، مؤمنًا بقدرته على النجاح رغم التحديات."

بقلم: كيث آيديك – كاتب ومحلل أول في مجلة ذا رينج

يمكن متابعته على X:

@idecboxing