بينما كان روهان بولانكو يلعب كرة السلة مع أصدقائه في سانتو دومينغو، عاصمة جمهورية الدومينيكان، جذب انتباهه شيء آخر.
كان هناك نادٍ للملاكمة قريب من الملعب. وبدافع الفضول، توجه الفتى ذو الثلاثة عشر عاماً إلى هناك وسجّل اسمه. والباقي أصبح تاريخاً.
بعد ثلاثة عشر عامًا، أصبح
بولانكو من ألمع الآمال الواعدة في الملاكمة العالمية، وواحدًا من أبرز الوجوه التي تتصدر مشهد النهضة في حلبة الملاكمة الدومينيكانية.
يقول بولانكو في حديثه لمجلة ذا رينج: "كنت أمارس البيسبول، لكن رياضتي المفضلة كانت كرة السلة. وفي اللحظة التي ارتديت فيها قفازات الملاكمة، وقعت في حبها. كانت كالحب من النظرة الأولى، وجدت نفسي متأقلمًا بسهولة لأنني أحببتها حقاً. كانت والدتي ترسلني إلى تدريبات البيسبول، لكنني لم أكن أذهب، كنت أفضّل البقاء في صالة الملاكمة، ولهذا السبب كانت الملاكمة سهلة عليّ."
بولانكو، البالغ من العمر 26 عاماً، يحمل سجلاً خالياً من الهزائم (16 فوزًا، منها 10 بالضربة القاضية)، ويحتل المرتبة السابعة في تصنيف منظمة WBO، والحادية عشرة لدى مجلس WBC في وزن الويلتر. ويعود إلى الحلبة مساء السبت لمواجهة
كوينتون راندال (15 فوزًا، خسارتان، وتعادل واحد – 3 بالضربة القاضية) في نزال من عشر جولات على مسرح ماديسون سكوير غاردن في نيويورك، ضمن ا
لعرض الختامي لشركة "توب رانك" على قناة ESPN، الذي تتصدره مواجهة زاندر زاياس ضد خورخي غارسيا بيريز. كذلك، يتواجد في البطاقة ذاتها الملاكم الدومينيكاني الواعد في وزن الريشة،
يان سانتانا (14 فوزًا، 12 بالضربة القاضية)، الذي سيواجه متحدي اللقب السابق أرون ألاميدا (30 فوزًا، 2 خسارتان، 17 بالضربة القاضية).
بولانكو وسانتانا، إلى جانب الملاكم في وزن المتوسط
يوري سيدينيو (12 فوزًا، تعادل واحد، 11 بالضربة القاضية)، يُشكلون موجة جديدة من المواهب الصاعدة في الدومينيكان.
حاليًا، تملك جمهورية الدومينيكان بطلين عالميين:
كارلوس أداميس، حامل لقب WBC في فئة الوزن المتوسط، و
إريك روزا (8 فوز دون هزيمة، 2 بالضربة القاضية)، بطل WBA في فئة وزن الذبابة الخفيف، الذي يستعد لخوض أول دفاع عن لقبه يوم الأربعاء المقبل في اليابان ضد
كيوسوك تاكامي الذي لم يُهزم بعد.
و كانت جمهورية الدومينيكان تملك ثلاثة أبطال عالميين قبل أن يخسر
ألبرتو بويلو (24 انتصارًا، خسارة واحدة، 10 بالضربة القاضية) — بطل العالم السابق في وزن 140 رطل مرتين — لقبه في مجلس WBC
بقرار أغلبي ضيّق أمام البورتوريكي
سوبرييل ماتياس (23 انتصارًا، هزيمتان، 22 بالضربة القاضية)، وذلك في 12 يوليو على ملعب لويس أرمسترونغ في نيويورك.
ومن بين الملاكمين الدومينيكانيين الذين دخلوا تصنيف العشرة الأوائل في وزن الـ140 باوند لدى الجهات الأربع المعنية، نذكر
هندري سيدينيو (16 فوزًا، 12 بالضربة القاضية)، شقيق يوري الأكبر، و
ألفريدو سانتياغو (17 فوزًا، 2 خسارة، 8 بالضربة القاضية)، و
ميشيل ريفيرا (26 فوزًا، 1 خسارة، 14 بالضربة القاضية)، و
إلفيس رودريغيز (17 فوزًا، 2 خسارة، 1 تعادل، 13 بالضربة القاضية).
وفي أغسطس 2022، توج
هيكتور لويس غارسيا وبويلو بلقبين عالميين في الليلة ذاتها، ليصبحا أول ملاكمين من الدومينيكان يحققان هذا الإنجاز في أمسية واحدة.
أما
جيسون روزاريو (24 فوزًا، 5 خسائر، 2 تعادل، 18 بالضربة القاضية)، فقد حصد لقبي WBA وIBF في وزن المتوسط الخفيف عام 2020 عندما أسقط جوليان ويليامز في الجولة الخامسة بمدينة فيلادلفيا، ليصبح بذلك أول بطل موحد من الدومينيكان في حقبة الأحزمة الأربعة.
وكان
إدوين دي لوس سانتوس (16 فوزًا، 2 خسارة، 13 بالضربة القاضية) قريبًا من حصد لقب عالمي في نوفمبر 2023 عندما واجه
شاكور ستيفنسون على لقب WBC في وزن الخفيف، لكنه خسر بقرار إجماعي. وكان من المفترض أن يواجه
كيشون ديفيس على لقب WBO في يونيو، إلا أن النزال أُلغي بعد أن فشل ديفيس في اجتياز الوزن المحدد بفارق تجاوز أربعة أرطال.
من فئة الوزن المتوسط نزولًا، تزخر الملاكمة الدومينيكانية اليوم بأعمق مجموعة من المواهب التي شهدتها في مسيرتي على الإطلاق"، بحسب ما صرّح به المؤرخ الرياضي خوسيه كورباس.
يضيف بويلو: "لدينا الآن دعم أكبر. أصبح من السهل على الملاكمين من الدومينيكان الذهاب إلى كل مكان، وخاصة إلى الولايات المتحدة. هذا هو الباب المفتوح حالياً، ولهذا ترى الكثير من الملاكمين يلفتون الأنظار."
أما بطل العالم في فئتين جوان غوزمان فقال لمجلة "ذا رينج" : "لم أشهد شيئًا كهذا من قبل. ملاكمون دومينيكانيون في كل مكان: في بورتوريكو، في أمريكا، في أوروبا. هذا شعور رائع."
الأخوان كروز
أول ملاكم من جمهورية الدومينيكان يحقق لقبًا عالميًا كان كارلوس "تيو" كروز (42 انتصارًا، 13 هزيمة، تعادلان، 14 بالضربة القاضية)، الذي قضى معظم مسيرته في التدريب وخوض النزالات في بورتوريكو، كما كان حال العديد من أبناء جيله في ذلك الوقت. وقد تُوّج بلقب مجلس الملاكمة العالمي (WBC) في وزن الخفيف بعد فوزه بقرار منقسم على البورتوريكي كارلوس أورتيز في 29 يونيو 1968 بمدينة سانتو دومينغو. ويُعتبر هذا الإنجاز تتويجًا للجهود التي مهّد لها قبله كل من لويس إميليو بيريز (40 انتصارًا، 10 هزائم، 9 تعادلات، 12 بالضربة القاضية) وكارلوس بيريز (24 انتصارًا، 15 هزيمة، تعادلان، 12 بالضربة القاضية).
يقول بويلو: "حين نبدأ الحديث عن تاريخ الملاكمة في الدومينيكان، لا بد من ذكر تيو كروز. لقد كان الأول، الشخص الذي فتح الباب أمام كل الأبطال الذين تراهم اليوم والذين سيأتون في المستقبل."
بعد تتويجه، خاض كروز نزالين ناجحين، أحدهما ضد ماندو راموس (37 فوزًا، 11 خسارة، 1 تعادل، 23 بالضربة القاضية)، لكنه خسر الإعادة بالضربة القاضية في الجولة 11 بسبب جروح. وبعدها فاز بأربع نزالات متتالية، إلا أن فرصة استعادة اللقب لم تتح له مجددًا.
وفي فبراير 1970، توفي كروز وزوجته ميلدريد وطفلاهما في حادث تحطم طائرة أثناء رحلة من الدومينيكان إلى بورتوريكو. يقول كورباس: "عناوين الصحف في بورتوريكو قالت يومها: دولتان في حداد. كان كارلوس يعيش في بورتوريكو ومتزوجًا من بورتوريكية."
في عام 1982، سار شقيقه الأصغر، ليوناردو "ليو" كروز (41 انتصارًا، 7 هزائم، 3 تعادلات، 18 بالضربة القاضية)، على خطاه، وتُوِّج بلقب الجمعية العالمية للملاكمة (WBA) في وزن السوبر بانتام، بعد أن تفوّق في نزال الإعادة على الأرجنتيني سيرخيو فيكتور بالما (52 انتصارًا، 5 هزائم، 5 تعادلات، 20 بالضربة القاضية). وبذلك، أصبح تيو و ليو أول شقيقين من أصل لاتيني يحققان ألقابًا عالمية في الملاكمة. ونجح ليو في الدفاع عن لقبه ثلاث مرات، وهو أعلى عدد من مرات الدفاع عن لقب واحد بين الملاكمين من جمهورية الدومينيكان.
شهدت جمهورية الدومينيكان بروز عدد من الأسماء اللامعة بعد حقبة ليو كروز، من بينهم إيلونسيو ميرسيدس الذي تُوِّج بلقب المجلس العالمي للملاكمة (WBC) في وزن الذبابة عام 1982، ورافائيل توريس الذي أصبح أول بطل في تاريخ المنظمة العالمية للملاكمة (WBO) في وزن الحد الأدنى عام 1989، إلى جانب أبطال آخرين في تسعينيات القرن الماضي مثل هيكتور أثيرو سانشيز، وخوليو سيزار غرين، ولويس سانتانا.
بمجموعهم، فاز 27 ملاكمًا دومينيكانيًا بألقاب عالمية، من بينهم جوان غوزمان وكاتي ويلسون كاستيو الوحيدين الذين حققوا ألقابًا في فئتين. أما غوزمان وليو فهما الوحيدان اللذان دافعا عن لقب واحد لأكثر من مرة.
تأثير جوان غوزمان
رغم ذلك، فإن الفرص المتاحة للملاكمين الدومينيكانيين كانت نادرة. يقول غوزمان: "في التسعينيات، كان هناك كثير من الملاكمين الجيدين، لكنهم كانوا يُنظر إليهم كمجرد خصوم، وكانوا يُعرض عليهم نزالات وهم غير جاهزين، أو يقبلونها لأجل المال فقط. أنا كنت من بين من غيّروا هذه العقلية.
ويضيف: "حين جئت إلى هنا بعد أولمبياد 1996، لم يكن هناك الكثير من الملاكمين الجيدين. كان البعض يراني أثناء التدريب ويظن أنني أمريكي من أصل إفريقي، لذلك بدأت أضع علم الدومينيكان على سروالي حتى يعرفوا أنني من هناك، رغم أنني لم أكن أتحدث الإنجليزية."
ويُعزى الفضل في هذه النهضة إلى غوزمان، وصاحب الذهبية الأولمبية في بكين 2008 فيليكس دياز، والمدرب الكوبي أرماندو هيرنانديز، المدرب التاريخي للمنتخب الوطني.
غوزمان (34 فوزًا، خسارة واحدة، تعادل واحد، 21 بالضربة القاضية) فاز بلقبين في وزن السوبر بانتام والخفيف الفائق، وخاض أكثر من 300 نزال في الهواة، وفاز بدورة الألعاب الأمريكية عام 1995، وشارك في أولمبياد أتلانتا قبل أن يحترف في 1997. وكان يُعد من أكثر المواهب الفنية تميزًا في الأوزان الخفيفة.
وفي ديسمبر 2006، دافع عن لقبه في الدومينيكان أمام أنطونيو ديفيس، في نزال حضره عدد من كبار المروجين أبرزهم أوسكار دي لا هويا، وحقق فوزًا ساحقًا. ويُعتقد أن هذا النزال كان نقطة تحول في نظرة العالم لمواهب الدومينيكان، حيث بدأ بعدها توقيع العقود مع ملاكمين مثل أرجينيس مينديز، كلاوديو ماريرو، وخوان كارلوس بايانو.
بايانو، من جهته، شارك في أولمبياد 2004 و 2008، وحقق لقب WBA في فئة وزن البانتام في 2016.
أما هيرنانديز، فقد كان حجر الأساس في بناء نظام تدريبي قائم على الانضباط، وهو ما ساهم في نجاح المواهب الجديدة. يقول بولانكو: "لقد علّمنا الانضباط منذ كنا أطفالًا. هذا هو سبب تطور الملاكمة لدينا. لقد غرس فينا القيم التي نحتاجها لنكون ناجحين كمحترفين."
وفي أولمبياد باريس 2024، فاز كريستيان بيناليس (وزن خفيف ثقيل) و يونيور ألكانتارا (وزن الذبابة) بميداليتين برونزيتين، كأول ثنائي دومينيكاني يتوج في دورة أولمبية واحدة.
الفضل يعود أيضًا لشركة شوان بوكسينغ، التي كانت من أوائل شركات الترويج المحلية التي نظمت عروضًا منتظمة، ما ساهم في تراكم الخبرات وتحسين مستوى المدربين والصالات، بحسب كورباس.
بولانكو... مستقبل الملاكمة في بلاده؟
بولانكو يبدو قريبًا من خوض أول نزال على لقب عالمي. يقول خوسيه كورباس: "إنه أكثر الملاكمين الذين يحظون بالدعم حاليًا. أما إن كان الأفضل فعلًا، فذلك لم يُحسم بعد — لكن من الواضح أنهم يعوّلون عليه كثيرًا."
غوزمان يوافق: "روهان هو الملاكم الأكثر موهبة الذي رأيته مؤخرًا. يعجبني موقفه في الحلبة، طريقته في القول: ‘أنا الزعيم هنا.’ لم أر دومينيكانيًا بمثل هذه الثقة من قبل."
في بلد لطالما ارتبط اسمه برياضة البيسبول، بدأت الملاكمة تفرض حضورها بقوة بفضل النجاحات المتتالية. يقول بويلو: "لكي تبدأ بممارسة البيسبول، تحتاج إلى المال لتدفع لمدرب أو للالتحاق بأكاديمية. أما في الملاكمة، فكل ما تحتاجه هو مدرب، وقفازان، وقميص — ويمكنك أن تبدأ فورًا."
ويختم غوزمان قائلاً: "خلال عشر سنوات فقط، ستصبح الملاكمة في نفس مكانة البيسبول."
أما بولانكو، فيختم حديثه قائلاً: "أن أكون من وجوه الملاكمة في جمهورية الدومينيكان يعني أن أمثّل بلدي بفخر. إنه ليس مجرد نزال، بل مسؤولية لإلهام الرياضيين الشباب والترويج للملاكمة وتوسيع قاعدة محبيها، والتعريف بمواهبنا أمام العالم."