كانت ليلة دافئة في أول أمسية ملاكمة تُقام في ملعب لامكس ستاديوم بمدينة ستيفينيدج، حيث جلس آندي لي على بُعد عدة صفوف يتابع الرجل الذي انتزع منه ذات يوم لقب الوزن المتوسط وهو يرقص حول الحلبة المنصوبة في منتصف الملعب.
كان الوقت قد تجاوز العاشرة مساءً عندما رُفع يد
بيلي جو ساوندرز بعد 12 جولة من طرف واحد أمام المغمور شيفات إيسوفي، ليتوَّج بطلاً جديداً للعالم في وزن السوبر متوسط (WBO). لكن لي كان مشغولًا أكثر بخطواته المقبلة في رحلته الخاصة.
كان ذلك في مايو 2019، أي بعد أكثر من عامين من آخر نزال له كمحترف، وما يقارب 15 شهرًا منذ أن أعلن رسميًا اعتزاله الملاكمة.
في البداية، لم يكن متأكدًا تمامًا مما يريد أن يفعله في حياته بعد الملاكمة، لكن تلك الليلة في لامكس ستاديوم أوضحت له وجهته. فلم يسبق له أن درّب ملاكماً محترفًا في حياته، لكن الأمور كانت على وشك أن تتغير.
إلى جانبه في تلك الليلة كان يجلس مراهق لم يسمع عنه معظم الحضور، فضلًا عن رؤيته يوجه لكمة. لكن لي كان مقتنعًا أن هذا الفتى جاهز ليصبح نجمًا. قال لي للكاتب في تلك الأمسية عام 2019:
"لم أكن أبحث عن طريق للعودة إلى الرياضة، لكن هذا الفتى قادر على الوصول إلى القمة. سنتأكد من أنه سيكون جاهزًا عندما يحين الوقت. أعتقد أننا نتحدث عن ثلاث أو أربع سنوات قبل أن يصبح منافسًا حقيقيًا. في السنة الرابعة سيكون عمره 24 أو 25 عامًا، وهذا هو التوقيت المثالي، سيكون قد دخل مرحلة الذروة كوزن ولتر.
إنه يملك كل شيء. فيه لمسة من الاستعراض، بشعره الأشقر، ويبدو كنجم قادم – حتى اسمه رائع:
بادي دونوفان."
وعلى الرغم من أن انطلاقتهما الرسمية في عالم الملاكمة الاحترافية جاءت بعد خمسة أشهر، في أكتوبر 2019، فإن الحقيقة هي أن قصة لي ودونوفان بدأت قبل ذلك بوقت طويل.
كان بادي دونوفان لا يزال طفلًا حين بدأ روجر، شقيق آندي لي، تدريبه كملاكم هاوٍ. وكان يعتقد أن لديه ورقة رابحة لتحفيز الفتى.
فشقيقه الأشهر، آندي، كان قد شارك بالفعل في الأولمبياد ثم تحول للاحتراف تحت إشراف المدرب الأسطوري إيمانويل ستيوارد في ديترويت. وسرعان ما برز كلكمة يسرى قوية مثيرة، وكانت الآمال معلقة على أن الفتى القادم من ليمريك سيصبح بطلًا عالميًا متوجًا.
في نوفمبر 2009، ومع سجل يبلغ 19 انتصارًا مقابل هزيمة واحدة، عاد لي إلى مدينته ليمريك ليخوض أول نزال احترافي له هناك. فاز في تلك الليلة على الفرنسي عفيف بلقشام بعد عشر جولات، قبل أن يعود إلى نفس الصالة الجامعية بعد ستة أشهر.
في تلك الليلة، أوقف لي منافسه مامادو ثيام(49 انتصارًا، 11 هزيمة، 46 بالضربة القاضية)، الذي لم يخرج للجولة الثالثة بسبب إصابة في الظهر. والأهم بالنسبة لروجر، أنه عاد إلى النادي ومعه القفازات التي ارتداها شقيقه في النزال.
هناك وضع روجر تحديًا أمام الأخوين بادي وإدوارد دونوفان: من يفوز بلقب إيرلندا بينهما سيحتفظ بالقفازات. يقول آندي لي لمجلة
ذا رينج:
"أتذكرها جيدًا، كانت قفازات إيفرلاست وزن 10 أونصات. أظن أن الأخوين كان عمرهما 10 و11 عامًا تقريبًا في ذلك الوقت. المشكلة أن بادي تم استبعاده في النهائي، بينما فاز إدوارد بنهائيه وحصل على القفازات."
ومن المفارقات أن استبعادًا آخر أكثر شهرة لبادي دونوفان هو ما قاد الثنائي الآن إلى أهم ليلة في شراكتهما، حيث يستعد "ذا ريال ديل" البالغ من العمر 26 عامًا لمواجهة
لويس كروكر على لقب الاتحاد الدولي للملاكمة (IBF) الشاغر في وزن الويلتر.
تأتي هذه المواجهة الثأرية بعد ستة أشهر فقط
من طرد دونوفان من النزال على يد الحكم ماركوس ماكدونيل بعد أن أسقط كروكر بلكمة بعد جرس نهاية الجولة الثامنة.
لكن مع انتقال البطل الموحّد
جارون إينيس إلى وزن 154 باوند و
تنازله عن جميع ألقاب الويلتر، ارتفعت قيمة الرهان في هذه المنافسة الإيرلندية الخالصة أكثر من أي وقت مضى. النزال يقام في ويندسور بارك مساء السبت، على الهواء
مباشرة عبر DAZN.
هذا يعني أن آندي لي، الذي يُعتبر أحد أفضل مدربي الملاكمة في العالم، أصبح على بُعد خطوة واحدة فقط من تتويج أول بطل عالمي له كمدرب. واللافت أن يكون هذا الإنجاز على يد دونوفان، يبدو ملائمًا جدًا بالنظر إلى تاريخهما المشترك.
ورغم أن أسماء أكبر وأكثر بروزًا مثل
جوزيف باركر،
حمزة شيراز، و
بن ويتكر انضمت لاحقًا إلى فريق لي في دبلن، فإن الثابت الوحيد طوال مسيرته التدريبية كان بادي دونوفان.
يقول لي مبتسمًا:
"إنه ملاكمي الأول. بدأت معه… أو بالأحرى بدأنا سويًا. خلال هذه الفترة جاء كثيرون وغادر بعضهم، ثم دخل آخرون بملفات أضخم وأسماء أكبر."
"لكنني أعتقد أنه من المناسب تقريبًا أن يكون أول بطل عالمي أدربه – بطل عالمي كامل – هو بادي إذا فاز… أو عندما يفوز."
ثِقَل هذا الإنجاز لا يغيب عن دونوفان أيضًا. يروي القصة من جانبه قائلًا:
"نعود معًا لزمن طويل جدًا. نعم، روجر كان مدربًا في صالتي، لكن حتى قبل ذلك.
آندي كان ملاكمًا في نادي سانت فرانسيس، وكان مدربه شاين دالي، وهو نفسه مدربي في الهواة. لكن آندي توقف عن الملاكمة حين كان في الخامسة عشرة وبدأ العمل مع والده. غير أن شاين دالي طرق بابه وقال له: ’علينا أن نعيدك إلى الصالة.‘ وهكذا عاد آندي وتدرب مع شاين لسنوات قبل الأولمبياد.
بعد ذلك، التحق بإيمانويل ستيوارد وانتقل إلى أمريكا، بينما أصبح روجر مدربي إلى جانب شاين دالي ووالدي. وكان آندي يعود من الولايات المتحدة بين الحين والآخر ويدخل الصالة، وهناك تعرفت إليه. علاقتنا دائمًا كانت قوية.
لكن بصراحة، لم أرَ نفسي يومًا مع آندي في المستقبل كمدرب. لم نفكر يومًا أن هذا قد يحدث. لم يكن الأمر كذلك، لم نتخيله، ربما فقط كنا نتخيل إلى أي مدى يمكن أن يأخذنا عالم الملاكمة."
وكما يقول لي، لم تكن الطريق سهلة على الثنائي. فبعد أن حقق دونوفان ثلاثة انتصارات في غضون ثلاثة أشهر مع بداية مسيرته، بدأ التقدم يتباطأ. انتهى عقده الأولي مع توب رانك، وكان لي يقاتل خارج الحلبة ليمنح ملاكمه ما يحتاجه من تسليط الضوء، بينما كان دونوفان(14 انتصارًا، هزيمة واحدة، 11 بالضربة القاضية) يقاتل داخلها.
أما استبعاده ضد كروكر، فيبقى الخسارة الوحيدة في سجل دونوفان حتى الآن.
قال لي لمجلة ذا رينغ موضحًا:
"في عام 2019 شعرت أنها كانت لحظة الآن أو أبدًا. رأيت الموهبة، لكن لو لم أتخذ تلك الخطوة حينها – حتى لو لم أكن جاهزًا بالكامل – لكان شخص آخر قد وقّع معه. قد لا يكون التوقيت مثاليًا، لكن لن يكون هناك وقت مثالي أبدًا.
راهنت لأنه كان واضحًا لي ما الذي يمكنه فعله، وموهبة مثل تلك لا يجب أن تُهدر. لم تكن الطريق دائمًا سهلة، أحيانًا نقاتل هنا وهناك، مع توب رانك أو على بطاقات ماتش روم، لكنه كسب الآن هذا الحق. إنه يتصدر بطاقة العرض من أجل لقب عالمي."
قضى لي سنوات طويلة تحت إشراف إيمانويل ستيوارد، عاش معه وتعلم منه، قبل أن يخوض علاقة وثيقة جدًا أخرى بين ملاكم ومدرب مع آدم بوث، والتي أثمرت عن التتويج بلقب العالم للوزن المتوسط عام 2014. ومن الواضح أن الرابطة بين لي ودونوفان لا تقل أهمية.
يضيف دونوفان:
"بدأ مسيرته التدريبية معي وحدي هنا في إيرلندا. كانت هناك صباحات باردة جدًا، الساعة الثامنة أو التاسعة صباحًا، فقط أنا وهو ندخل ونخرج من الصالة معًا.
وضع ثقته فيّ دائمًا وأخبرني أنني سأصبح بطلًا عالميًا. أن أصبح بطلًا عالميًا وأن أكون أول مقاتل له، السبب الذي جعله يصبح مدربًا، وأن أكون إيرلنديًا مثله، أعتقد أنه سيكون أمرًا رائعًا أن أرد الجميل لآندي."