لا تعرف
ميكايلا ماير معنى السكون — جسدها في حركةٍ دائمة، وعقلها لا يتوقف عن التفكير.
في صباح اليوم التالي لفوزها بلقب الوزن المتوسط الخفيف الموحّد على حساب
ماري سبنسر، كانت ماير تتجوّل داخل غرفتها في أحد فنادق مونتريال – كندا وهي تتحدث، تحرّك الأغراض على الطاولة، تُعدّل ملمّع شفاهها، وتتفقّد كل زاوية في الغرفة.
قد يظن المرء أن هذا أدرينالين ما بعد النزال أو نشوة الفوز بلقب عالمي ثانٍ في وزن مختلف، لتصبح بطلة في ثلاث فئات وموحّدة في فئتين، لكنّ الحقيقة أن هذا هو طبعها الحقيقي.
“شخصيتي الحقيقية؟ أنا لا أستطيع الجلوس مطلقًا”، تقول ماير ضاحكة.
“أنا في حركةٍ دائمة. من الصعب جدًا أن أستريح حتى أثناء معسكرات التدريب. دائمًا مفعمة بالطاقة، مليئة بالاندفاع… لا أدري، ربما هناك شيء غير طبيعي في داخلي.”
تلك العقلية التي لا تعرف التوقف — هي ما قادت ميكايلا ماير (22 فوزًا، هزيمتان، 5 بالضربة القاضية) إلى مستوياتٍ جديدة في مسيرتها الاحترافية.
فبعد فوزين مشحونين بالتوتر والعداء أمام ساندي رايان العام الماضي، تُوّجت بطلةً لمنظمة WBO في وزن الويلتر، لتجد نفسها أمام عدة خيارات كبرى لمستقبلها.
الخطة الأولى كانت إقامة نزالٍ لتوحيد الألقاب في وزن الويلتر أمام
لورين برايس، لكن رغم المفاوضات الإيجابية، لم يتحقق الاتفاق النهائي.
كانت الخيارات السهلة متاحة أمامها — نزال دفاعي ضد منافسةٍ أقل شهرة لتبقى في أجواء المنافسة — لكن بالنسبة لماير، كان ذلك بمثابة الوقوف في مكانها، وهو ما ترفضه تمامًا.
بدلًا من الانتظار، قررت ماير اتخاذ خطوة غير متوقعة:
الصعود إلى وزن 154 رطلاً لمواجهة ماري سبنسر، حاملة لقب WBA حينها.
وازداد الحافز بعد أن اعتزلت
سيسيليا برايكهوس وتنازلت عن لقبيها العالميين اللذين فازت بهما في نزال اعتزالها أمام
إيما كوزين مطلع شهر أكتوبر،
لتوافق الهيئتان المنظمتان على وضع لقبيهما على المحك أيضًا في مواجهة ماير وسبنسر.
فجأة، وجدت ميكايلا ماير — التي فازت بأول لقبٍ عالمي قبل خمس سنوات في وزن 130 رطلاً — نفسها تخوض نزالًا على ثلاثة ألقابٍ عالمية في وزن 154 رطلاً.
و
تمكّنت ماير، ابنة لاس فيغاس البالغة من العمر 35 عامًا، من تحقيق فوزٍ كاسح بقرارٍ إجماعي على ماري سبنسر، لتظفر بالألقاب في النزال الرئيسي الذي أُقيم مساء الخميس في كازينو مونتريال وسط مدرجات ممتلئة بالكامل.
الحدث، الذي نقلته قناة Top Rank FAST، اعتُبر أكبر نزال نسائي في تاريخ كندا، حيث نُفدت التذاكر بالكامل خلال 48 ساعة فقط من طرحها.
قدّمت سبنسر (10 فوز – 3 هزائم– 6 بالضربة القاضية) أداءً قويًا وثقةً عالية، لكنها واجهت خصمًا لا يتراجع.
كانت ماير أكثر دقة واستمرارية طوال النزال، لكنها اضطرت إلى امتصاص بعض اللكمات اليمنى القوية والضربات الصاعدة التي كان يمكن أن تُنهي الليلة لأي ملاكمة أخرى في الفئة نفسها.
قالت ماير بعد النزال:
“لم أشعر بقوة
إليسيا (باومغاردنر) أو ساندي رايان أبدًا، لكني شعرت بقوة ماري منذ الجولة الأولى.
عندما قاتلت في 147 رطلاً شعرت بفارق الوزن أمام
ناتاشا جوناس، لكن في وزن 154 الوضع كان مختلفًا تمامًا.”
وأضافت بابتسامة:
“في المؤتمر الصحفي قالت لي سبنسر إنني سأعرف الفرق عند الصعود إلى وزن 154، وفعلاً… في الجولة الأولى قلت لنفسي: نعم، لا بد أن أتجنّب ضرباتها النظيفة. لكنها أصابتني في النهاية، ومع ذلك أعتقد أن لديّ ذقنًا فولاذية. أستطيع تحمّل الضرب.”
في فتراتٍ طويلة من النزال، بدت ماير أكثر تفوقًا من الناحية البدنية، إذ تمكنت من دفع سبنسر إلى الحبال والسيطرة على مجريات القتال.
اعتمدت على وضعية أوسع في المسافة القريبة، وأمطرت خصمتها بسلسلة من الخطّافات القصيرة التي أربكتها وأفقدتها التوازن.
استفادت ماير وفريقها — بقيادة كوفي جانتواه وأل ميتشل — من تحليل نزالات سبنسر السابقة أمام
فيمكه هيرمانز، ولاحظوا ضعفها أمام اللكمات الجانبية (Hooks)، فعملوا على استغلالها.
ومع برنامجٍ بدنيٍّ محكمٍ لتقوية العضلات، وتركيزٍ جديدٍ على الثبات والضرب من القاعدة، ظهرت ماير بمظهر الملاكمة التي تفرض حضورها حتى في الأوزان الأعلى.
“هذا الجانب كنت أعمل عليه منذ فترة”، تقول ماير،
“حين كنت في وزن الخفيف، كنت أتناول نحو 1100 سعرة حرارية فقط يوميًا للحفاظ على الوزن، ولهذا لم أستطع تطوير قوتي البدنية كما يجب.
بدأت أستعيدها تدريجيًا عند الانتقال إلى وزن 147، لكن الأمر احتاج وقتًا طويلًا لأعوّض جسدي ما فقده بعد سنواتٍ من البقاء عند 130.
وأضافت:
“قمنا ببرنامج تقوية مميز لهذا النزال ، وأحد أسباب صعودي إلى وزن 154 هو أنني أعلم أن لورين برايس قوية جدًا، وأريد أن أكون قادرة على مجاراتها عندما أقاتل في الأوزان الأعلى.”
السؤال الآن: إلى أين تتجه ماير بعد هذا الفوز؟
هل تواصل مشوارها في وزن 154، أم تعود إلى وزن 147 لتوحيد الألقاب؟
عبّرت الويلزية لورين برايس (9 انتصارات دون هزيمة، منها 2 بالضربة القاضية) مؤخرًا عن رغبتها في استئناف المفاوضات لمواجهة ميكايلا ماير على لقب البطولة المطلقة في وزن الويلتر.
أما في حال قرّرت ماير البقاء في وزن 154 رطلاً، فإن طريقها نحو التوحيد الكامل للألقاب سيمرّ عبر
أوشاي جونز (9 انتصارات دون هزيمة، 3 بالضربة القاضية) — صديقتها المقرّبة وحاملة لقب الاتحاد الدولي للملاكمة (IBF).
ماير تعترف بأنها لا ترغب في القتال ضد صديقتها، لكنها تقول بوضوح:
“قد يكون نزالًا ضخمًا ومربحًا لكلينا، وإذا كانت تلك هي الطريقة الوحيدة للوصول للبطولة المطلقة، فقد يكون من الصعب تجنّبه.”
الفوز على سبنسر لم يكن مجرّد تتويج بلقب جديد، بل كان اختبارًا لقدرة ماير على التكيّف مع قوة الأوزان الأعلى دون أن تفقد أسلوبها الهجومي المتواصل.
فكما لا تستطيع ماير الجلوس ساكنة خارج الحلبة، فإنها لا تهدأ داخلها أيضًا، محافظةً على معدّل ضرباتٍ مرتفع حتى مع زيادة كتلتها العضلية.
“هذا رد فعل طبيعي بالنسبة لي”، تقول ماير.
“أسلوبي قائم على الحركة المستمرة. أحاول أن أكون أكثر تركيزًا وأقل اندفاعًا، لكني أعتقد أن هذا الأسلوب ميزة.
لقد فزت بمعظم نزالاتي لأنني ببساطة لا أتوقف. أستمر في الهجوم.
أسوأ ما يمكنك فعله في الحلبة هو التردد، لذا لا أحد يستطيع أن يتفوق عليّ في الإيقاع. فقط أحتاج لأن أكون أذكى قليلًا في اختياري للّكمات.”
وبينما لا تزال آثار النزال الأخير واضحةً على وجهها، تجلس ميكايلا ماير اليوم تفكّر في خطوتها التالية — خطوة جديدة في مسيرة لا تعرف فيها معنى السكون.