مارك كريغل لم يكن يرغب في كتابة سيرة مايك تايسون الذاتية.

الكاتب الذي اشتهر بتأليف سير ذاتية عن شخصيات مثل جو ناماث، وراي "بوم بوم" مانشيني، وبيت مارافيتش، بدا وكأنه المرشح المثالي للتوغّل في حياة بطل العالم السابق في الوزن الثقيل، لكنه ببساطة لم يكن مهتمًا.

قال كريغل لمجلة ذا رينج: "آخر شيء كنت أرغب في فعله هو كتابة سيرة لتايسون".

ومع ذلك، صدر الثلاثاء كتاب "الرجل الأخطر: صناعة مايك تايسون" لمارك كريغل، متاحًا في المكتبات، رغم أنه كان مترددًا في البداية حين عرضت عليه دار النشر الفكرة. ومع ما حمله المشروع من شكوك أولية، إلا أننا مدينون له على قبوله المهمة في نهاية المطاف.

في الواقع، المشروع بدأ بشيء مختلف تمامًا.

قال كريغل: "الكتاب تغيّر. لقد بدأ كمقالة،لكنه سرعان ما أخذ منحى مختلفًا ، لأن تايسون يفيض بالقصص. أكثر من أي شخصية كتبت عنه من قبل. لذلك، تحوّل المشروع إلى سيرة ذاتية متكاملة."

في مارس 2023، قدّم كريغل المسودة الأولية إلى محرّره، وكانت الفكرة الأولية عن مقال قد تلاشت.

قال كريغل: "أعجب المحرر كثيرًا بما قرأه. قلت له: لديك الآن 80 ألف كلمة عن مرحلة تايسون عندما كان في السادسة عشرة فقط! فسألني إن كنت أستطيع جعلها جزأين، فأجبته: قطعًا لا. وها نحن اليوم أمام سيرة ذاتية من جزئين".

يغطي الجزء الأول من "الرجل الأخطر" حياة تايسون منذ ولادته حتى فوزه الحاسم على مايكل سبينكس عام 1988، وهي محطة فارقة في مسيرته.أما الجزء الثاني، فقد شرع كريغل بالفعل في إجراء المقابلات التحضيرية للبحث فيه.

ما يميز هذا العمل، كما يرى النقاد، هو أنه لا يقتصر على تقديم سيرة ذاتية لتايسون فحسب، بل يرتقي ليكون بمثابة تأريخ ثقافي لفترة زمنية فريدة قد لا تتكرر. فحتى أولئك الذين قرأوا كتبًا سابقة عن تايسون، أو اطلعوا على مذكّراته الشخصية، سيكتشفون في "الرجل الأخطر" روايات وحكايات لم تُكشف من قبل.

قال كريغل: "ما لم يشجعني في البداية هو كثرة الكتب السابقة، منها سيرته الذاتية بجزئيها، وهي جيدة جدًا. فسألت نفسي: ما المختلف الذي يمكنني تقديمه؟ وبدأت أرى إمكانية كتابة مقال يتناول تغطية رياضة الملاكمة، ومحاولة فهم كيف يمكن للمرء أن يكتب عن حياة كحياة تايسون، كدراسة حالة. لكنني كنت مخطئًا. ما أكتبه لم يكن مقالًا، بل سيرة ذاتية متكاملة. ومع ذلك، حرصت على الإبقاء على بعض العناصر التي تستعرض العلاقة المعقّدة بين الملاكمين والكتّاب".

وأشار كريغل إلى أن بدايات أسطورة تايسون صيغت على يد نخبة من كبار الكتّاب الأمريكيين، مثل غاي تاليس، الذي كتب عن كاس داماتو – مدرب تايسون وأحد أهم المؤثرين في مسيرته – حتى قبل أن يُولد تايسون نفسه. وأضاف: "جزء كبير من السحر الذي أحاط بتايسون منذ بداياته يعود إلى تلك الحكاية الآسرة عن كاس والفتى الضائع، والتي يصعب على أي قارئ مقاومتها".

الكتّاب الذين واكبوا رحلة تايسون، مثل تاليس، وولي ماثيوز، وبيت هاميل، وجاك نيوفيلد، وروبرت ليبسايت، ومايك كاتز، وغيرهم، كانوا جزءًا من العمل.

أما تايسون نفسه، فقد شارك جزئيًا في المشروع.

قال كريغل: "أجرينا مكالمتين عبر زووم لتحديد إطار المشروع وشروطه، وكان متفهمًا في تعامله. هناك من يطالب بحصة من الأرباح عند كتابة سيرته، لكنني أوضحت لتايسون أنني لا أكتب وفق هذا النموذج التجاري. لفت انتباهي حرصه الشديد على حماية أبنائه، كما أنه لم يوافق تمامًا على تحليلي لعلاقته بكاس داماتو، وهو أمر يمكن تفهّمه تمامًا نظرًا لطبيعة تلك العلاقة وتعقيدها العاطفي".

وبالفعل، جعل تايسون من كاس شخصية خالدة. المدرب الذي رحل منذ عقود لا يزال يُذكر ويُستشهد به حتى اليوم، بفضل إرث تايسون. كما أصبح تايسون نفسه أيقونة خالدة، رغم كل الأزمات التي مرّ بها. والواقع أن موافقته وزوجته كيكي على السماح للناس بالتحدث إلى كريغل تعكس مدى التغيّر الذي شهده تايسون كشخص.

لكن هل "الرجل الأخطر" كتاب تمجيدي؟ إطلاقًا.

جاء عمل كريغل متوازنًا ونزيهًا، بعيدًا عن الإثارة الرخيصة التي تتسم بها الصحافة الصفراء. وبعد الانتهاء من قراءته، قد يجد القارئ نفسه متعاطفًا مع مايك تايسون، وربما يرى أن الشخصيات التي أحاطت به كانت أكثر ظلمًا وفسادًا منه. والمفارقة أن هذه الخلاصة لم تكن ضمن تصوّر كريغل عندما شرع في كتابة السيرة.

قال كريغل: "بدأت كتابة عمود رياضي في عام 1991. لم أكن أعرف تايسون شخصيًا، ولم أكن مرتبطًا به بأي شكل. كل ما كنت أراه هو الصورة التي نقلتها عنه الصحافة. صديقي المقرّب، الصحفي الراحل مايك ماكلاري، كتب ذات مرة تقريرًا عن محاولة تايسون للانتحار. وكنت أقرأ آراء مثل ما قاله جاك نيوفيلد بأن تايسون يخلط بين العنف و الدوافع الغريزية، كما كان يفعل نورمان ميلر. أما تيدي أطلس، فقد كان شخصية محورية في تطوّري ككاتب ومتابع للملاكمة. ومع مرور الوقت، لم أسمع شيئًا إيجابيًا عن تايسون، فصار هو 'الشرير الرسمي' في مقالاتي، وكنت راضيًا تمامًا عن ذلك".

ثم أضاف: "اليوم، حين أسترجع تلك الفترة، أشعر بالندم على التهويل والمبالغة، وعلى القسوة التي تعاملت بها. لم أكن أملك أي قدر من التعاطف. كنت شابًا يعتقد أن وظيفة كاتب العمود تعني أن تهاجم الجميع بلا استثناء. أحيانًا كنت قاسيًا أكثر مما ينبغي. كانوا يطلبون مني تقديم 'اللحم النيء' – أي المواضيع الصاخبة والمثيرة – وكان تايسون هو الهدف الأسهل دائمًا".

في عام 2012، وقبل أن يبدأ في تأليف "الرجل الأخطر"، حضر مارك كريغل العرض المسرحي الفردي لمايك تايسون "الحقيقة غير القابلة للجدل".

قال كريغل:

"أبكاني العرض. وبعد انتهائه، التقيت بتايسون وبدأنا الحديث عن تلك الحقبة. وفاجأني بسؤال عميق: 'كيف كان شعورك حينها؟' — كان من أصدق وأكثر الأسئلة إنسانية التي وُجّهت إلي من أي شخصية التقيتها من قبل. أجبته بصراحة: 'كان الأمر أشبه بحالة اندماج كامل، اجتاحتني موجة من الإثارة يصعب وصفها'، وقد شكّلت تلك اللحظة نقطة تحوّل حقيقية في نظرتي إليه."

اليوم، تايسون أصبح أبًا، متعافيًا، وناجيًا من حياة مليئة بالانهيارات.

قال كريغل: "لا أحد، حتى تايسون نفسه، كان يعتقد أنه سيعيش حتى 2025. مجرد نجاته فضيلة بحد ذاتها. من الصعب ألا تحبه الآن، أو ألا تشعر بشيء من المودّة تجاهه. من المستحيل أن تراه ذلك الوحش الذي كتبنا عنه في التسعينيات".

كتاب "الرجل الأخطر" مليء بالتفاصيل الدقيقة، ويشكل مرجعًا لكل من يهتم بتايسون، أو بالملاكمة، أو بنيويورك، أو بثقافة الهيب هوب، أو بالجريمة، أو بالحياة الأمريكية المعقدة.

ليس سيئًا على الإطلاق، لا سيما أنها صادرة عن شخص لم يكن يعتزم أصلًا الدخول في هذا المشروع.

وكان هدف كريغل منذ البداية واضحًا:

"لم أرد أن أخيب ظن بيت هاميل".

ويبدو أنه نجح.