منزل بعيد عن الوطن.

هكذا كانت لاس فيغاس بالنسبة لحوالي 30 ألف مشجع بريطاني غنّوا بأعلى أصواتهم، بعدما تدفقوا بأعداد هائلة إلى هناك لمؤازرة بطلهم الشعبي ريكـي هاتون(43 انتصارًا – دون هزائم، 31 بالضربة القاضية) في مواجهته ملك الـ"باوند-فور-باوند" فلويد مايويذر جونيور(38 انتصارًا – دون هزائم، 25 بالضربة القاضية).

قال هاتون لمجلة ذا رينج في مارس:

"كان الأمر أشبه بالشرطي الجيد في مواجهة الشرطي السيئ. أنا كنت بطل الناس، كل ما يهمني جمهوري وتقديم عرض رائع، أما فلويد فكان عكس ذلك تمامًا، بالنسبة له الأمر كله يتمحور حول المال وليس الجمهور. هذا ما جعل التحضير للمواجهة مذهلًا. كان صدام أساليب وصدام شخصيات. لم نتفق أبدًا، فكل ما أمثله كان عكس ما يمثله، وهذا خلق بعض العداوة."

مايويذر كان قد حقق فوزًا بقرار منقسم من 12 جولة على أوسكار دي لا هويا في مايو لينتزع لقب WBC لوزن سوبر الوسط، لكنه عاد إلى وزن الويلتر لمواجهة هاتون.

هاتون دخل النزال بعد فوز مثير بالضربة القاضية في الجولة الرابعة على خصم سابق لمايويذر، خوسيه لويس كاستيو، في وزن سوبر الخفيف قبل ستة أشهر.

بدأت المفاوضات بين الجانبين وبعد فترة طويلة تم التوصل إلى اتفاق.

"الكثير من المحادثات جرت عبر الهاتف، وأتذكر أننا قمنا بعدة رحلات إلى لاس فيغاس برفقة والدي والمحامي الخاص بي. كانت هناك اجتماعات عديدة على مدار فترة من الزمن. أذكر أن إتمام الصفقة لم يكن بالأمر السهل."

الحدث الذي حمل اسم "Undefeated" انطلق بجولة صحفية في خمس مدن. البداية كانت من لوس أنجلوس، ثم غراند رابيدز ونيويورك، وبعدها عبر الأطلسي إلى لندن، قبل أن يُختتم في مانشستر. التذاكر التي تراوحت أسعارها بين 150 و1000 دولار نفدت في 35 دقيقة فقط.

كان هاتون مشهورًا بزيادة وزنه بشكل كبير بين النزالات، وقد دخل المعسكر التدريبي بوزن يقارب 13 حجرًا [182 رطلاً]. ومع ذلك، وبما أنه لن يضطر للنزول إلى حد وزن سوبر الخفيف المعتاد، كان لديه هامش إضافي بسبعة أرطال.

"كان معسكرًا جيدًا،" قال هاتون، الذي استعان بأربعة شركاء تدريب من أمريكا الجنوبية.

"أعتقد أن ما ساعدنا في مواجهة فلويد هو أنني كنت قادرًا على النزال في وزن الويلتر. لا تنسوا أنني فزت سابقًا بلقب WBA في هذا الوزن بعد التغلب على لويس كولازو، لذا كان لدي خبرة سابقة. تعلمت من تلك المواجهة كيفية الصعود بسبعة أرطال وأداء أفضل أمام مايويذر."

وأضاف:

"بعد صعودي إلى وزن الويلتر قررت العودة إلى وزن سوبر الخفيف حيث واجهت خوان أورانغو وخوسيه لويس كاستيو. أعتقد أن الطريقة التي قدمت بها أمام كاستيو هي ما جعلتنا نحصل على عرض لمواجهة فلويد.

من ذكرياتي عن نزال كولازو أنني دخلت الحلبة بوزن زائد قليلًا. عادةً أزن 140 رطلاً وأدخل الحلبة بوزن 154. لكن عندما واجهت كولازو عند 147، دخلت الحلبة بوزن 163.8، ما جعلني بطيئًا ومرهقًا. لذلك قررت أمام مايويذر أن أزن عند 145 ثم أدخل الحلبة بوزن 154، وهو الوزن الذي أؤدي فيه بأفضل صورة. ورغم أن فلويد كان الرجل الأكبر حجمًا، كنت بحاجة لأن أدخل بالوزن الذي أقدم فيه أفضل أداء."

"أعتقد أنها كانت خطوة جيدة، لأنه في الجولات الأولى سببت مشاكل لفلويد. لو كنت دخلت مثلما فعلت أمام كولازو، لا أظن أنني كنت سأتمكن حتى من لمسه."

بهذه الثقة تحدث ريكـي هاتون عن استراتيجيته في مواجهة مايويذر. وكانت نجوميته آنذاك كبيرة إلى حد أن شركات الطيران خصصت رحلات مباشرة من مسقط رأسه مانشستر إلى لاس فيغاس لنقل جماهيره.

قال بفخر:

"كان الأمر لا يُصدّق. كانت هناك طائرات تقلع بلا سياح، فقط جماهير متجهة للنزال."

وقد استفاد هاتون من خبرته السابقة بخوض مواجهتين في لاس فيغاس:

"في نزالي الأول ضد خوان أورانغو، ذهبت قبلها بأسبوعين وأقمنا في الكازينو، ومع أجهزة التكييف والمكوث هناك كنا عديمي الخبرة. أقمنا في جناح بفندق باريس، وكان أسوأ ما فعلته. تعلمت من ذلك قبل نزال كاستيو، وبالتأكيد قبل نزال مايويذر.

قمنا باستئجار شقة خارج الشريط الرئيسي، وجلبنا طاهياً خاصاً ليُحضّر طعامي، واستأجرنا شقة أخرى لشركاء التدريب كي يكونوا قريبين مني."

وكان الحدث الافتتاحي لأسبوع النزال هو وصول الملاكمين إلى MGM غراند، حيث أُعلن للعالم أن مواجهة استثنائية على وشك الحدوث.

"كان رائعاً. عندما دخلت بهو الفندق في مراسم الافتتاح، شعرت وكأني أمشي في شارع دينسغيت في مانشستر – كان الأمر مذهلاً."

وأضاف:

"لابد أنه كان شيئاً مربكاً لفلويد أيضاً. هذه مدينته، لكن تخيل لو كنت أنا الذي واجهت فلويد في مانشستر، وهناك 30 ألف أميركي يملأون بهو الفندق، والحانات والمطاعم يغنون ويحتفلون، أعتقد أن ذلك كان سيؤثر فيّ. أعلم أن فلويد هو فلويد، يتأقلم مع كل وضع، لكنه سيعترف بالتأكيد أن ما حدث كان نوعاً من الصدمة الثقافية بالنسبة له."

في المؤتمر الصحفي الأخير، بدا الهدوء سائداً بين الطرفين مع حفاظهما على طاقتهما لما هو قادم.

"أتذكر أن فلويد كان أكثر تواضعاً، أكثر هدوءاً. في الجولة الإعلامية كان عدائياً جداً، لكنني تقبلت الأمر لأنني أعرف كيف هو فلويد. أظن عندما رأى الجماهير البريطانية تملأ الفندق قبل المؤتمر الصحفي، أدرك أن الخيار الحكيم هو أن يلزم الصمت. أبدى لي احتراماً كاملاً بنسبة 100٪، عكس ما قاله في فترة التحضير. لكن وقتها، كان النزال قد تم بيعه بالفعل، لذلك كان أكثر احتراماً."

لكن التوتر عاد للسطح في الميزان، حيث حضر 10,000 متفرج معظمهم من جماهير هاتون يهتفون: "لا يوجد سوى ريكـي هاتون واحد"، فيما التزم كلا الملاكمين بوزن الويلتر 147 رطلاً قبل المواجهة المباشرة وجهًا لوجه.

البريطانيون تركوا بصمتهم الواضحة خلال أسبوع النزال.

قال هاتون ضاحكاً:

"لقد نفد مخزون البيرة في MGM؛ اضطروا لإحضار كميات إضافية من كازينوهات أخرى. قالوا إن الكازينو لم يحقق في تاريخه أرباحاً بهذا القدر من البار وطاولات القمار. كان الأمر جنونياً وجعلني أشعر بفخرٍ كبير."

وفي ليلة النزال، دوّت القاعة بانفجار من الهتافات عندما شق هاتون طريقه نحو الحلبة وسط ضجيج لا يوصف.

وأضاف:

"كنت مؤمناً تماماً أنني قادر على هزيمة فلويد مايويذر. لم أدخل الحلبة لأكمل العدد، بل دخلت لأفوز.

انطلقت بسرعة منذ البداية، وضربت فلويد فتراجع للخلف مترنحاً. كنت أبحث عن الضربة القاضية. كانت ضربتي القوية هي الهجوم على الجسم، لذلك حاولت أن أضغط عليه. لكن في كل مرة اقتربت منه، كان الحكم جو كورتيز يوقف القتال ويفصل بيننا. عندها بدأت أفقد الزخم."

وأشار إلى أن تدخل الحكم أثر على تركيزه:

"عليك أن تركز على النزال وعلى خصمك، وبمجرد أن تفقد تركيزك تكون قد خسرت نصف المعركة. الحكم كان ضدي تماماً، وهذا مؤسف. عندما واجهت كاستيو، سمح لي الحكم بأن أقاتل. لا أقول إنني كنت سأهزم فلويد، لكن على الأقل كنت سأحصل على فرصة عادلة لمحاولة الفوز."

وتابع:

"[المدرب] بيلي [غراهام] قال لي: ’ريك، الأمر لن يحدث.‘ ذهبت هناك أحاول أن أطرحه بالضربة القاضية، لكن كما أظهرت الأحداث، أنا من انتهى به الأمر مطروحاً بالضربة القاضية. كنت محطماً."

بعد النزال، نُقل هاتون إلى المستشفى المحلي، ثم عاد إلى مكان إقامته حيث غرق في أحزانه. بقي في لاس فيغاس لبضعة أيام مع صديقته جينيفر وأصدقائه المقربين.

واعترف:

"كنت في حالة انهيار نفسي شديد، وعدت إلى إنجلترا محطم المعنويات. دخلت في اكتئاب استمر شهوراً، وكان ذلك بداية معاناتي مع الاكتئاب."