في وقت تتساءل فيه بعض وسائل الإعلام البريطانية عمّا إذا كان دفع دانيال دوبوا لأوليكسندر أوسيك خلال المؤتمر الصحفي متعمدًا أم رد فعل لحظي، يكتفي دوبوا بالضحك حين يُسأل عن ذلك لاحقًا خلال اليوم.

وإذا ما أزلنا الجدل الدائر حول الضربة المنخفضة في الجولة الخامسة من مواجهتهما الأولى، فإن دوبوا يومها كان أصغر سنًا وأقل خبرة، حين خسر بوضوح أمام أوسيك بالضربة القاضية في الجولة التاسعة بمدينة فروتسواف البولندية قبل عامين. إلا أن المعادلة الآن تبدو مختلفة تمامًا.

أليكس كراسييوك، مروج بطل العالم الأوكراني أوسيك والمقرّب منه، قال في حديثه لمجلة ذا رينج:

"أوسيك ما زال في قمة مستواه، لكن دانيال لم يعد طفلًا. لقد أصبح رجلًا ناضجًا، بعضلات أقوى وخبرة أكبر. إنه نزال مختلف تمامًا الآن."

يتذكر دوبوا صيف العام الماضي حين كان يتدرب في صالة "ذا باغ جيم"، تحت أنظار أقواس ويمبلي الشهيرة، بينما كان يستعد بكل حماس لخوض نزال مرتقب أمام أنتوني جوشوا.

رغم كونه الطرف "الأضعف" نظريًا – كما هو الحال الآن – قدّم دوبوا أداءً أعاد للأذهان موهبته الواعدة كمراهق شرس تدرّج تحت جناح كوينزبيري مع فرانك وارن.

كان المشهد قويًا ولافتًا، إلى حد بدا فيه أن دوبوا لا يُظهر احترامًا لاسم جوشوا، إذ تمكن من التفوق عليه بشكل واضح على أرضه، دون الحاجة لبذل أقصى جهده، في نزال تاريخي أقيم في مكان يعرفه جوشوا جيدًا.

وكان من رمزية المشهد أن يكون جريل ميلر – الذي كسر دوبوا سجله الخالي من الهزائم قبل تسعة أشهر – من أوائل من هنأه عند الحلبة، بينما تابع أوسيك وآخرون العرض في ليلة حاشدة شمال غرب لندن.

كل الضجة الإعلامية حول جوشوا، والملصقات، والتركيز على أن يصبح بطلًا للعالم ثلاث مرات، بدت فجأة وكأنها أحلام يقظة، خصوصًا مع مرور الوقت وتراجع الحالة البدنية للملاكم البالغ من العمر 35 عامًا.

لكن الآن، أصبح دوبوا بطلًا حقيقيًا، ويخوض واحدة من أفضل فترات مسيرته، بعد أداء لم يكن متوقعًا عقب انهياره السريع في ليلة حارة بمدينة فروتسواف. حينها، منحه الحكم الجنوب أفريقي ستانلي كريستودولو جولتين، بينما اكتفى الحكمان البولنديان بافل كارديني وليشيك يانكوياك بمنحه جولة واحدة فقط، في نزال لم يمنحه كثيرون أي فرصة للفوز به.

فريق دوبوا أعاد النظر في تلك الهزيمة واعتبرها نتيجة خطأ تحكيمي، وأشاروا إلى أن الخبرة عامل حاسم، كما أن دوبوا أصبح أقوى بعد تلك التجربة.

في المقابل، زاد وزن تايسون فيوري في نزال الإعادة بـ19 رطلًا، لكن أوسيك خرج منتصرًا بشكل أوضح مقارنة بنزالهما الأول المثير في مايو الماضي. ورغم ذلك، رأى بعض المحللين إشارات خفيفة على التراجع البدني لدى الطرفين... فالزمن لا يُهزم.

وعندما سألته ذا رينج عمّا يحتاج إلى فعله ليتغلب على أوسيك – وهو ما عجز عن تحقيقه جوشوا وفيوري عبر 48 جولة مجتمعين – أجاب دوبوا ببساطة:

"أحتاج أن أفوز، الأمر بهذه البساطة."

هل ستكون الضربات إلى الجسد مفتاح التفوق؟

"لا، أي جزء مكشوف من جسده سأستهدفه بقوة. رأيناه يتألم هناك من قبل، لكني لن أركز على ذلك بشكل مفرط، سأكتفي بالتنويع في الضربات."

بعد أن أسقط خصمين بلا هزيمة وأطاح بأسطورة، يبدو أن دوبوا أزاح مؤقتًا علامة الاستفهام التي لاحقته بسبب جوزيف باركر، إذ من المنتظر أن يواصل الملاكم النيوزيلندي نشاطه حتى يواجه الفائز في نزال يوليو المرتقب لاحقًا هذا العام.

يشير دوبوا إلى أنه يشعر براحة أكبر حين يقاتل على أرضه، خاصة بعد الجدل الذي أُثير حول علاجه السريع في الرياض خلال فبراير الماضي. وقد أوضح أن انسحابه من نزال باركر كان نتيجة تورم في الغدد، ما استدعى لاحقًا إجراء عملية لاستئصال اللوزتين.

قال:

"الانسحاب من نزال باركر كان محبطًا. ليس لي فقط، بل لكل الفريق، النفقات، المعسكر، الحصص التدريبية... كانت فترة مكتئبة، لكننا هنا الآن بمهمة جديدة. وهذا السيناريو على أرضنا أفضل بالنسبة لنا. نعم، كانت مشكلة، لكني أسيطر عليها الآن."

كما شدد دوبوا على أن "الحرب النفسية" لن تؤثر عليه، مؤكدًا أن البطل الموحد لن يتمكن من مجاراته من الناحية البدنية، قبل أن يضئ وجهه بابتسامة وهو يتحدث عن شقيقه الأصغر سولومون، الملاكم الواعد.

وعند سؤاله عن العنصر الأهم في عودته القوية، لم يكن مفاجئًا أن يذكر والده ستان، بالنظر للدور المحوري الذي لعبه.

قال:

"العمل الجاد، والإيمان، والتعلم من الماضي، والتحلي بالشجاعة مثل الأسد، والدفع نحو المستقبل. وجود والدي بجانبي كان عنصرًا أساسيًا، فهو من ساعدني على تجاوز كثير من الأمور ومنحني الأساس القوي."

وافق على رأي فرانك وارن بأن الهزيمة أمام أوسيك ساهمت في صقل شخصيته. وبالرغم من الانتقادات التي وُجّهت إلى مدربه دون تشارلز بسبب تصريحاته العاطفية بعد النزال، والتي وصف فيها أوسيك بـ"الغشاش"، إلا أن دوبوا يرى أن التجربة منحته دافعًا أكبر للعودة والتطور.

وأضاف:

"أشياء كثيرة كانت ضدي في ذلك النزال، وحدث ما حدث – أنتم رأيتم – لكني عدت، وأشعر أني شخص مختلف الآن. التجربة بأكملها دفعتني نحو الأمام، من أجل النجاح والتحسن."

وفي لحظة ساخرة تعكس ثقته، قال ممازحًا عن فريقه:

"أدفع لهم لإحداث بعض الضجيج وإزعاج معسكر أوسيك."

فانفجر الإعلاميون بالضحك.

وختم قائلًا:

"أنا أقاتل لتصحيح الماضي وتصفية الجدل."

قبل أن يتلقى نظرة صارمة من أحد أفراد فريقه، إيذانًا بأن الوقت قد حان للتركيز... فالتحضير للثأر قد بدأ.