العالم يتوقف في 1 أكتوبر 1975
في ذلك اليوم، وضع محمد علي وجو فريزر نقطة الختام على واحدة من أعظم الخصومات في تاريخ الملاكمة، في نزال يليق بمكانتهما الخالدة، عُرف باسم 'Thrilla in Manila'.
في قاعة "أرانيتا" بالفلبين، أشعل العملاقان حلبة النزال كما لو أنها جحيم مشتعل، في مواجهة اعتُبرت إحدى أعظم نزالات الوزن الثقيل على الإطلاق.
حقق علي واحداً من أبهى انتصاراته، حين أجبر فريزر على التوقف في الجولة الرابعة عشرة، مختتماً أعظم ثلاثية عرفتها الملاكمة.
كان من بين الحاضرين الكاتب الأسطوري جيري إيزنبرغ، الذي يبلغ اليوم 95 عاماً، وعضو 18 قاعة شهرة بفضل مسيرة صحفية امتدت 75 عاماً وما تزال متواصلة. ارتبط بعلاقة صداقة وثيقة مع علي وفريزر، وغطّى النزال لصالح صحيفة The Star-Ledger، كما خصص له فصلاً كاملاً في كتابه Once There Were Giants: The Golden Age of Heavyweight Boxing.
يقول إيزنبرغ لمجلة
ذا رينج:
"لقد كان أعظم نزال شاهدته في حياتي."
وصل إيزنبرغ إلى الفلبين قبل ثلاثة أسابيع ليتأقلم مع الأجواء، وكاد حضوره يذهب هباءً لولا التوصل إلى حل لأزمة الحكم. فقد اعترض مدرب فريزر، إيدي فَتش، على تعيين زاك كلايتون بعدما رآه سابقاً يشجع علي من الصفوف الأمامية، وهدد بسحب فريزر من النزال إن لم تُلبَّ مطالبه.
وفي النهاية، تدخّل عمدة فيلادلفيا فرانك ريزو، وأجبر كلايتون على البقاء في وظيفته المدنية وعدم السفر. وأثناء اجتماع القوانين الذي سبق النزال، وضع أحد الضباط مسدساً على الطاولة معلناً بحزم أن الحكم سيكون فلبينياً، ليقع الاختيار على الشرطي المحلي كارلوس 'سوني' باديلا.
وصفه إيزنبرغ بأنه 'أطول فلبيني رأيته في حياتي، باستثناء رومان غابرييل.' وغابرييل، الذي بلغ طوله 6 أقدام و5 بوصات (نحو 196 سم)، كان أول لاعب وسط (Quarterback) فلبيني–أميركي في دوري كرة القدم الأميركية (NFL). لعب لصالح فريق لوس أنجلوس رامز بين عامي 1962 و1972، ثم لفريق فيلادلفيا إيغلز بين 1973 و1977، وفاز بجائزة أفضل لاعب في الدوري عام 1969.
كانت درجة الحرارة في الحلبة 105 فهرنهايت (أكثر من 40 مئوية). وصف إيزنبرغ الأجواء بـ "الفرن المشتعل". ومع ذلك، سرعان ما تحولت المواجهة إلى ملحمة نارية.
استهل علي النزال متقدماً بفضل طوله ومداه وسرعته، غير أنّ فريزر باغته بسلاح جديد: اليمين التي تمرّن عليها طويلاً في معسكره تحت إشراف المدرب جورج بينتون. وفي الجولة الخامسة وجّه تلك الضربة فأصابت هدفها، ثم ابتسم وأعاد إطلاقها لتصيب من جديد، عندها أدرك علي أنّه لا يواجه خصماً يعتمد على ذراع واحدة فحسب.
و منذ تلك اللحظة تغيّر مسار النزال، ليتحوّل إلى معركة قاسية تبادَل فيها الملاكمون ضربات استنزفت قواهم حتى أقصى الحدود.
بحلول الجولة العاشرة، كان كلاهما قد قدّم كل ما يملك. يروي إيزنبرغ أنه التفت إلى الصحفي ديف أندرسون قائلاً:
"لماذا لا يعلنون انتهاء النزال بالتعادل؟ لا أستطيع مشاهدة المزيد."
في الجولة الرابعة عشرة، كان فريزر بالكاد قادراً على الوقوف، ذراعاه متدليتان وساقاه ترتجفان، فيما بدا علي منهكاً هو الآخر. غير أنّ عيني فريزر كانتا قد تورمتا حتى أوشكتا على الإغلاق، وهنا تدخّل مدربه فَتش وأمر بقطع قفازيه معلناً الانسحاب. عندها انفجر فريزر غضباً مهدداً:
"إذا فعلتم ذلك سأقتلكما."
لكن القرار اتُخذ، وتوقف النزال.
عندما أدرك علي أنه فاز بأصعب نزال في مسيرته، رفع ذراعيه ثم سقط منهاراً على الأرض. البعض قال إنه فعل ذلك لحماية نفسه من اندفاع الجمهور، لكن إيزنبرغ كان له رأي آخر:
"لم يستطع الوقوف… كان ممتناً أن النزال انتهى."
قليلة هي النزالات التي يكون فصلها الأخير أعظم من بداياتها. لكن "Thrilla in Manila" لم يكن استثناءً فحسب، بل كان الخاتمة المثالية لأشد الخصومات مرارةً في تاريخ الرياضة.
قال علي وهو يغادر الحلبة:
"أيها الرفاق، هذا أقرب شيء سترونه للموت."
يختم إيزنبرغ قائلاً:
"ذلك النزال استنزف الجميع في القاعة. لم أشاهد شيئاً مثله قط."