clicked
باتريك كونور: فوز محمد علي على فورمان في “معركة الغابة” مكّنه من إعادة كتابة التاريخ.
Ring Magazine
مقال
باتريك كونور
باتريك كونور
RingMagazine.com
باتريك كونور: فوز محمد علي على فورمان في “معركة الغابة” مكّنه من إعادة كتابة التاريخ.
عندما هزم محمد علي بطل الوزن الثقيل سوني ليستون عام 1964، وقدم للعالم صدمة غير مسبوقة في عالم الملاكمة، كان جورج فورمان مجرد مراهق يبلغ من العمر 15 عامًا، مشاغبًا ترك المدرسة الثانوية مبكرًا.

خلال السنوات العشر التالية، جُرّد علي من لقبه في الوزن الثقيل، وخسر أمام جو فريزر و كين نورتون، لكنه شق طريقه مجددًا نحو فرصةٍ تاريخية ليصبح ثاني ملاكمٍ في التاريخ يستعيد أهم لقب في الملاكمة.
في تلك الأثناء، أعاد فورمان ترتيب حياته، فاز بالميدالية الذهبية الأولمبية، أصبح أحد المساعدين في تدريبات ليستون، ثم اكتسح فريزر بطريقة مروّعة ليصبح بطل العالم الجديد.

التقى علي وفورمان فعليًا للمرة الأولى عام 1972، أي قبل عامين من “معركة الغابة” الشهيرة التي وقعت قبل 51 عامًا من اليوم، وكان ذلك في عرضٍ خيري بمدينة كليفلاند نظّمه المروّج دون كينغ في أول تجربةٍ له في عالم الترويج.
واجه علي حينها خمسة خصوم في عروضٍ استعراضية قصيرة، وكان فورمان — آنذاك أحد أبرز المصنّفين — قد صافحه قبل العرض. وسُجّل الحدث كأول فعالية ينظمها دون كينغ رسميًا.

في تلك الفترة، كان الصحفيون يتّهمون مدير فورمان ديك سادلر بأنه يُبطئ من صعود الملاكم الشاب. لكنهم غيّروا رأيهم تمامًا بعد أن فاجأ فورمان العالم بفوزه الساحق على فريزر، الذي كان المرشح الأقوى للفوز.
وبعد أن دمّر منافسَيه التاليين خوسيه رومان وكين نورتون بضرباتٍ قاضيةٍ مروّعة، أصبح فورمان يُنظَر إليه كقوة خارقة لا تُقهر.

في المقابل، كان أداء محمد علي أقل إقناعًا؛ إذ فاز بصعوبة على فريزر ونورتون، وقدم أداءً باهتًا أمام رودي لوبيرس في نزالٍ استمر 12 جولة، ما جعل كثيرين يعتقدون أنه فقد بريقه.
على الورق، بدا النزال أشبه بإعادة لنزال ليستون الأول، لكن المفارقة أن المراهنين جعلوا فورمان مرشحًا بنسبة 4 مقابل 1 لسحق البطل السابق.

في ذلك الزمن، لم يكن استعادة لقب الوزن الثقيل أمرًا مألوفًا. فحتى سبعينيات القرن الماضي، نادرًا ما نجح أحد في تحقيقه. في العصر الحديث، لم ينجح سوى فلويد باترسون، ومنذ القرن الثامن عشر لم يحققه سوى قلة من أبطال القتال العاري.
بحلول عام 1974، كان يُعتقد أن محمد علي أصبح “بطلًا سابقًا” إلى الأبد.

قال علي لمحرر Big Book of Boxing ستانلي ويستون (الذي أصبح لاحقًا رئيس تحرير ذا رينج ):
“يقولون إنني انتهيت… 18 سنة من القتال — القفاز الذهبي، الأولمبياد، بطولة العالم… لكني لم أنتهِ بعد. أريد للعالم أن يعرف أنني سأعود للرقص من جديد.”

كان علي دائمًا في أفضل حالاته عندما جمع بين الملاكم والمخادع الذكي؛ فقد أربك ليستون بأسلوبه وسخريته، وجعل الجميع يظنون أنه مجنون. وكلماته قبل مواجهة فورمان كانت تُشير إلى أنه سيستعيد خفّته المعهودة كما فعل أمام نورتون.


في تلك الفترة، لم يكن فورمان بذلك الوجه القاتم الذي رسخته الذاكرة الجماعية؛ فقد كان ودودًا في المقابلات، سريع النكتة، ويُضحك الصحفيين، لكنه كان أيضًا صريحًا في حديثه عن ماضيه. ومع ذلك، طغى حضور محمد علي وشخصيته الكاريزمية على الجميع — وربما كان ذلك مقصودًا إلى حدٍّ ما..

المروّج دون كينغ أقنع علي وفورمان بخوض النزال مقابل خمسة ملايين دولار (مبلغ خيالي حينها)، واضطر إلى جمع التمويل من تحالف دولي من المستثمرين. ثم أبرم صفقة مع رئيس زائير موبوتو سيسي سيكو لاستضافة النزال في كينشاسا، حيث أمضى الملاكمَان معظم صيف 1974.

خلال المعسكر، انعزل فورمان في الفندق مع فريقه بقيادة البطل السابق آرشي مور، في حين تفاعل علي مع السكان المحليين الذين تبنّوه كأيقونة، وتحولت تدريباته إلى مهرجانات جماهيرية يهتفون فيها “علي بوماييه!” أي “اقتل علي!”.

تأجل النزال من سبتمبر إلى أكتوبر بعد إصابة فورمان بجرحٍ أثناء التدريب، لكن التأجيل لم يُفسد الحماس. إذ سُبق النزال بمهرجان موسيقي ضخم استمر ثلاثة أيام في ملعب 20 مايو، شارك فيه نجوم مثل جيمس براون وبي. بي. كينغ، وكان ختام المهرجان هو نزال علي وفورمان المنتظر.

خلال الجولات الأولى، كان جسد علي وأذنا فورمان يتلقيان الضربات.

وفقًا للحكم زاك كلايتون، كان علي يتحدث مع فورمان أثناء الالتحام قائلًا:
“مرحبًا يا رجل… ما اسمك؟ تعرف من أكون؟ من أين أنت؟ الليلة سأهزمك.”

كلما لمس علي خصمه، كان الجمهور يهتف بجنون: “علي بوماييه!”.
ومع استمرار فورمان في الضغط عليه عند الحبال وإطلاق وابلٍ من اللكمات الثقيلة، كان علي يفاجئه بين حينٍ وآخر بسلاسلٍ مرتدة من الحبال.
المعلق جيم براون، أسطورة كرة القدم الأمريكية، لاحظ سريعًا أن لكمات علي كانت تؤذي فورمان أكثر مما يبدو.

في الجولة الرابعة، أصاب علي خصمه بارتباك مؤقت، وكان الجاِب (اليسار المستقيم) ما يزال سلاحه القاتل. كان فورمان يكره هذه الضربة ويحاول صدّها باندفاع.
ومع مرور الجولات، بدأ علي يعود طوعًا إلى الحبال — ليبتكر لاحقًا أسلوب “روبو دوپ” الشهير، حيث يمتص طاقة خصمه حتى يُرهقه.

في الزاوية، صرخ مدربه الأسطوري أنجيلو دندي:
“احذر يا علي!”
بينما واصل فورمان إطلاق اللكمات نحو جسده، وكان علي يرد فقط بلكمات متفرقة سريعة ودقيقة.


في بداية الجولة الثامنة، تلقى فورمان عدة ضربات قوية متتالية.
تراجع علي إلى الزاوية، تجنّب الضربات بسهولة، ثم انتقل للزاوية المقابلة ليفعل الشيء نفسه.
كان فورمان يلوّح بيديه محاولًا إصابة علي لكنه لم يصب شيئًا.

قبل نهاية الجولة بـ20 ثانية، قاس علي المسافة بدقة، وأطلق ضربة يمينية خاطفة أصابت فورمان مباشرة في وجهه، ليتراجع مترنحًا نحو الحبال.
استغل علي اللحظة، وأمطره بسلسلة من اللكمات السريعة، قبل أن يوجّه ضربةً يمينية حاسمة أسقطت فورمان أرضًا.

حاول البطل النهوض، لكنه بدا مرتبكًا ومصدومًا أكثر من كونه متألمًا، ولم يتمكّن من الوقوف قبل انتهاء العد.
اشتعلت مدرجات كينشاسا بجنونٍ جماهيري لم يُشهد له مثيل، وهرع المئات إلى الحلبة ليعانقوا البطل الذي أعاد كتابة التاريخ.

أما فورمان، فخرج محاطًا برجال الأمن، بينما لم يلتفت إليه أحد — الجميع أراد أن يكون قرب محمد علي.

بعد عودته إلى غرفة الملابس، التفت محمد علي إلى الكاميرا مباشرة وقال بصوته المجلجل:
“قلت لكم جميعًا إنني الأعظم عندما هزمت سوني ليستون… وها أنا أقولها مجددًا اليوم: ما زلت الأعظم على مرّ العصور.”

لسنواتٍ بعد ذلك، قلّل بعض النقاد والأبطال السابقين من شأن علي، واعتبروه مجرد ملاكم محظوظ في زمنٍ مناسب.
لكن فوزه على فورمان وضع حدًّا لكل شكٍّ في عظمته، وأثبت أنه لم يكن مجرد اسمٍ لامع، بل أسطورة حقيقية خالدة.

أما فورمان، فقد دخل في فترةٍ مظلمة من مسيرته، تطارده فيها ذكريات محمد علي.
كان علي يسخر منه بين الحين والآخر في الإعلام، بل علّق كمذيع في بعض نزالات عودته، ما زاد من معاناته.
انشغل فورمان طوال سنوات بفكرة الثأر من علي، قبل أن يعتزل مؤقتًا، ليعود لاحقًا ويصنع مجده الخاص في التسعينيات كبطلٍ في سنٍّ متقدمة.

تُظهر أعظم نزالات الملاكمة كيف يمكن اختصار سنواتٍ من التاريخ والعواطف في دقائق معدودة.
نزال علي – فورمان استمر 31 دقيقة فقط، لكنه مثّل خلاصة حقبة السبعينيات في الملاكمة، وملحمة رياضية واجتماعية خلدت إلى الأبد.
تلك الدقائق كانت كافية لـ محمد علي كي يعيد كتابة التاريخ، ويبدأ الفصل الأخير من أسطورته الخالدة.

0/500
logo

انضم إلى عالم ذا رينج المميز!

عش اثارة الملاكمة مع تقاريرنا الحصرية عن القتالات حول العالم.
logo
قم بتحميل تطبيقنا
logologo
الشريك الاستراتيجي
sponsor
شركاء الوزن الثقيل
sponsor
sponsor
sponsor
sponsor
sponsor
sponsor
sponsor
sponsor
sponsor
sponsor
sponsor
sponsor
sponsor
sponsor
sponsor
sponsor
sponsor
sponsor
sponsor
sponsor
sponsor
شركاء الوزن المتوسط
sponsor
sponsor
sponsor
sponsor
sponsor
sponsor
شركاء الوزن الخفيف
sponsor
sponsor
sponsor
الشركاء
sponsor
sponsor
sponsor
sponsor
المروجون
sponsor
sponsor
sponsor
sponsor
sponsor
sponsor
قنوات وسائل التواصل الاجتماعي
logo
logo
logo
logo
logo
logo
logo
© RingMagazine.com, LLC. 2025 جميع الحقوق محفوظة.