كان لسوني ليستون مظهر الملاكم الحقيقي، وكأي ملاكم قوي، أمضى حياته وهو يصارع مختلف العقبات. بدأ الأمر بمواجهة والده، ثم القانون، ثم واجه وصمة كونه سجينًا سابقًا. وعندما أصبح بطلًا للعالم في الوزن الثقيل، وبدت له الفرصة سانحة ليُسقط حذره أخيرًا، وجد نفسه في صدام مع الهالة الطاغية لمحمد علي — معركة لم تنتهِ أبدًا بالنسبة له.
كل ملاكم له نزال أخير. أحيانًا يتم الترويج لذلك النزال وكأنه حفل اعتزال، لكن غالبًا ما يأتي ذلك النزال فجأة، لأسباب مختلفة.
كان ليستون يضع خططًا لما بعد نزاله مع تشاك ويبنر في جيرسي سيتي، نيوجيرسي، إلا أن الغموض ظل يحيط بحياته. فقد استمرت النكات بشأن تاريخ ميلاده المجهول — هل كان يبلغ 38 عامًا؟ أم أنه كان أكبر من ذلك بعدة سنوات؟ كما لم يتوقف الجدل حول مدى شرعية خسارته بالضربة القاضية أمام محمد علي في نزال الإعادة عام 1965، وهي نتيجة لاحقته حتى بعد وفاته. ومع ذلك، فإن التحدي الأكثر إلحاحًا حينها كان يتمثل في قدرته على النهوض مجددًا بعد خسارة قاسية بالضربة القاضية على يد ليوتيس مارتن.
كلتا خسارتيه أمام علي كانتا محاطتين بالجدل بما يكفي ليجد لهما أعذارًا محتملة، لكن خسارته أمام مارتن لم تترك مجالًا للتبرير. فقد تمكّن مارتن، رغم إصابة في عينه، من تحقيق ضربة قاضية نظيفة. في ذلك الوقت، كان ليستون في سلسلة انتصارات من 14 نزالًا، وكان يطالب بمواجهة ثالثة مع محمد علي، الذي كان بطلًا منفيًا بسبب رفضه التجنيد للمشاركة في حرب فيتنام.
كان سجل تشاك ويبنر جيدًا، إذ حقق 21 انتصارًا مقابل 5 هزائم وتعادلين. يتميز بطول فارع (6 أقدام و5 إنشات) وبنية جسدية قوية أشبه بالثور، رغم افتقاره للسرعة في اليدين أو القدمين. وكان يُعرف أيضًا بصلابته الاستثنائية، حتى شبّهه البعض بـ"قطعة لحم رخيصة لا يمكن مضغها". وقد لخّص أحد الكُتّاب المحليين في جيرسي سيتي مشكلته الأساسية بالقول:
"النزيف كان عدو ويبنر الأكبر خلال مسيرته التي امتدت لست سنوات. أربع من خساراته الخمس كانت بسبب الجروح. وجهه غالبًا ما يكون ممزقًا بعد جولات قليلة حتى عندما يفوز، لكن شجاعته وقدرته على البقاء واقفًا رغم الضرب لم تكن محل شك."
كانت نزالات ويبنر كثيرًا ما تتسم بكثرة الإصابات والنزيف، حتى أُطلق عليه لقب "نزّاف بايون". وبما أنه لم يكن يمتلك قوة ضربة قاضية كافية لحسم المواجهات مبكرًا، فإن نزالاته كانت تمتد غالبًا إلى الجولات الأخيرة، مما جعله عرضة لتلقي كمّ كبير من اللكمات. وفي مواجهة خصم يمتاز بقدرة هجومية ساحقة كـ سوني ليستون، كانت جميع المؤشرات تنذر بمواجهة قاسية وربما كارثية.
كانت الاحتمالات في صالح ليستون بشكل واضح عند فتح باب المراهنات، لكن بعد أن حضر الصحفيون تدريبات الملاكمين، تغيّر الموقف. حيث بدا ويبنر حادًا بينما وصف أداء ليستون بـ"غير المنتظم"، فتراجعت الاحتمالات لصالح ليستون إلى 5-8 فقط. في ذلك العصر، كان عمر 38 عامًا أشبه بحكم بالإعدام على مسيرة أي ملاكم، وكانت معركة ليستون ضد الزمن صعبة كأي معركة داخل الحلبة.
قال ليستون للصحفيين قبل النزال:
"أنا في طريقي نحو التراجع، لكنني لا زلت أؤمن بقدرتي على استعادة اللقب. وإلا، لما دخلت الحلبة أصلاً."
حضر النزال 4,012 متفرجًا في صالة "آرموري" في جيرسي سيتي، من بينهم أساطير مثل جاك ديمبسي، ميكي ووكر، وتوني "تو تون" غالينتو، ليشهدوا ما أصبح لاحقًا مذبحة دموية على الطريقة القديمة.
ثمة جانب غالبًا ما يُغفل وسط الجدل الكثيف الذي أحاط بنزالات سوني ليستون ضد محمد علي، وهو مدى قوة وفاعلية ضربة الجاب (اللكمة الأمامية) التي كان يتمتع بها. لم تكن مجرد ضربة تمهيدية كما هو شائع، بل كانت أداة هجومية صاعقة، قادرة على زعزعة توازن الخصم وإعادته إلى واقعه، بل وفي بعض الحالات، كانت كفيلة بإنهاء النزال بمفردها.
من المرجّح أن ويبنر دخل الحلبة بخطة تكتيكية واضحة، غير أنها سرعان ما انهارت في الجولة الثانية، حين تسببت ضربة الجاب من ليستون، متبوعة باللكمات اليمنى، في نزيف حاد من فمه. وفي الجولة الثالثة، وسّع ليستون من هجومه مستخدمًا كلتا يديه، مما أسفر عن كسر في أنف ويبنر. وكتب مراسل
مجلة ذا رينج، جورج غيرش، تعليقًا على ذلك:
"في تلك اللحظة، لم يكن من اللائق أن يكون ويبنر في نفس الحلبة مع سوني ليستون."
بناءً على نصيحة زاويته، حاول ويبنر أن يقترب من ليستون ويتشابك معه ليُنهكه بدنيًا، لكن الأمور ساءت أكثر، إذ أن البطل السابق، الذي وصفه محمد علي يومًا بـ"الدب القبيح الكبير"، سيطر عليه تمامًا في الالتحامات القريبة.
سرعان ما تحوّل الجرح في جبين ويبنر من إصابة بسيطة إلى تمزق دموي بشع، كما ظهرت على وجهه أربع جروح أخرى مميزة. وفي الجولة الخامسة، تلقى ضربة إلى الجسم أسقطته أرضًا، وكانت تلك أول مرة يُسقط فيها خلال مسيرته. لم يكن ليستون في أفضل حالاته، فقد بدا بطيئًا ومترنحًا، وافتقرت ضرباته إلى القوة التي أوصلته سابقًا إلى لقب العالم، لكنها كانت كافية أمام ويبنر.
حاول المدرب آل برافيرمان ومفوّض ولاية نيوجيرسي للملاكمة آيب غرين منع طبيب الحلبة من فحص ويبنر بعد عدة جولات، مما أعطى الملاكم فرصة للمواصلة، لكنه في الوقت ذاته أطال معاناته.
أخيرًا، تمكّن الطبيب من فحص ويبنر بعد الجولة السابعة وسمح بمواصلة النزال. فواصل ليستون معاقبته بالجاب، معتبرًا أنه ليس بحاجة إلى استخدام يده اليمنى كثيرًا. وكانت الدماء تغطي الجميع: الملاكمين، الحكم، والحلبة. وبعد الجولة التاسعة، قرر طبيب الحلبة إنهاء النزال.
صرخ برافيرمان غاضبًا:
"هذه الجروح ليست عميقة، إنها مجرد خدوش ولم تكن تعيق رؤية تشاك."
كان المدرب يحاول الدفاع عن ملاكمه، لكن ويبنر بدا وكأنه متبرع بالدم أكثر من كونه خصمًا.
وخلال معظم فترات النزال، لم تكن أنظار الجمهور مركزة على ما يحدث في الحلبة، بل على الضيف المفاجئ محمد علي، الذي اجتمع حوله الباحثون عن التوقيعات والمصافحات، واضطر في النهاية إلى مشاهدة النزال من زاوية القاعة. وكما حدث في السابق، خطف علي الأضواء من ليستون مجددًا.
ورغم ذلك، بدا ليستون سعيدًا على نحو مفاجئ في غرفة تغيير الملابس بعد النزال.
قال مبتسمًا:
"لا أظن أن أحدًا تلقى هذا القدر من الضرب مني دون أن يُطرَح أرضًا. بالطبع، كنت أعتقد أنه كان ينبغي إيقاف النزال في وقت أبكر، لكن ويبنر كان متأخرًا في النتيجة وليس لديه ما يخسره."
أما ويبنر فقال بهدوء للصحفيين:
"كان يجب أن يُسمح لي بإنهاء النزال واقفًا. كنت أريد أن أنهيه وأنا على قدمي."
من أصل 37,600 دولار من العائدات، حصل ليستون على ما لا يقل عن 13,000 دولار، بينما نال ويبنر 4,000 دولار مقابل ما تلقّاه من ضرب مبرح.
شجاعة ويبنر قادته لاحقًا إلى نزال غير متوقع أمام محمد علي في عام 1975، والذي ألهم شخصية "روكي" الشهيرة. وعلى الرغم من أن وجهه كثيرًا ما كان عرضة للنزيف، تحوّل هذا الجانب من ضعفه إلى ما يشبه "قوة خارقة" ميزته عن غيره، رغم أنه أنهى مسيرته بسجل غير لافت: 36 فوزًا، 14 هزيمة، وتعادلان.
بعد انتصاره على ويبنر، كان ليستون يتطلع إلى مواجهة المهاجم القوي جيري كواري، المعروف بلكماته الحادة. وربما رأى فيه خصمًا مثاليًا آخر من الوزن الثقيل، ببشرة فاتحة ومشاكل جلدية، كما حدث مع خصوم سابقين له، لكنه لم يحظَ بتلك الفرصة.
فبعد مرور ستة أشهر فقط على فوزه على ويبنر، عُثر على ليستون ميتًا في منزله بمدينة لاس فيغاس في ظروف لا تزال غامضة حتى اليوم. وكأن القدر شاء أن يُذكّره بعجزه عن التغلب على خصمه الأزلي، إذ تصدّرت أخبار نزال محمد علي ضد أوسكار بونافينا العناوين، وطغت على نبأ وفاته.