قبل سنوات من تقديمهما أحد أكثر مشاهد القتال وحشيةً وإثارةً في تسعينيات القرن الماضي، لم يكن راي ميرسر قد سمع حتى باسم منافسه الهاوي البالغ 19 عامًا آنذاك، تومي موريسون. في ذلك الوقت، لم يكن كثيرون خارج الغرب الأوسط الأميركي يعرفون موريسون أيضًا؛ كان ملاكمًا من الوزن الثقيل متوسط البنية، عاش في بلدات صغيرة متعددة، وكان يعتبر إلفيس بريسلي بطله الأول.

فاز موريسون بلقب قفازات كانساس سيتي الذهبية عام 1988، ما أهّله للمشاركة في البطولة الوطنية، لكنه خسر أمام الفائز النهائي ديريك إيسامان. في المقابل، كان ميرسر – بطل القوات المسلحة – لا يعرف عنه شيئًا عندما التقيا في تجارب الملاكمة الأولمبية في يوليو من ذلك العام.

كان ميرسر يبلغ من العمر 27 عامًا، يتمتع بخبرة أكبر وشهرة أوسع من موريسون، الذي كان الأصغر بين ثمانية ملاكمين مشاركين في التصفيات. كان أقوى وأصلب، وتمكّن من إصابة موريسون قبل أن يحسم النزال بالنقاط، ليضمن مكانه في المنتخب الأولمبي الأميركي ويحرز لاحقًا الميدالية الذهبية في ألعاب سيول 1988.

تحوّل الاثنان إلى الاحتراف بفارق بضعة أشهر فقط، لكن بعد عام واحد من لقائهما الهاوي، كان ميرسر قد خاض خمسة نزالات احترافية، في حين حقق موريسون 13 انتصارًا متتاليًا. سرعان ما بدأت انتصارات موريسون التلفزيونية تجذب الأنظار، بما في ذلك انتباه الممثل سيلفستر ستالون الذي كان يبحث عن ملاكم شاب أبيض ليلعب دور البطولة في فيلم "روكي 5".

أدّى هذا الدور إلى تغيّر جذري في حياة موريسون، إذ تحوّل إلى نجم جماهيري بين ليلة وضحاها. أما ميرسر، فمسيرته كانت تتقدم بثبات، لكن الفكرة القديمة حول "عودة البطل الأبيض للوزن الثقيل" كانت لا تزال حاضرة في أذهان الجمهور الأميركي. ورغم شكوك الكثيرين، اعتُبر موريسون أحد أبرز المواهب الصاعدة في الوزن الثقيل.

أما ميرسر، فبقي دون هزيمة لكنه تعثر في بعض اللحظات المفصلية. ففي إحدى الأمسيات على هامش نزال الأسطورتين راي ليونارد وروبرتو دوران، حقّق ميرسر فوزًا باهتًا بقرارٍ على أوسي أوكاسيو وسط صيحات استهجان من الجماهير. وفي مواجهة البطل الإيطالي فرانشيسكو داميانـي (WBO)، كان على وشك تلقي هزيمته الأولى قبل أن يوجه له ضربة صاعدة مزقت أنفه و أوقفت النزال في الجولة التاسعة، رغم أنه كان متأخرًا على بطاقات الحكام.

حقق ميرسر بعد ذلك فوزين سريعين على بطلي العالم السابقين بينكلون توماس وجيمس تيليس، ما فتح الباب أمام موريسون لنزال ثأري على لقب WBO في أغسطس 1991، لكن إصابات التدريب أجّلت النزال إلى أكتوبر.

قال ميرسر للصحافة إنه يتوقع مواجهة النجم الواعد ريديك باو في حال فوزه، وكانت التوقعات متقاربة. روّجت الملصقات للنزال تحت عنوان "اختبار الشجاعة" بشعارات لافتة:

“العسكري يواجه نجم هوليوود – بطل أميركا الأولمبي ضد الفتى الذهبي الأميركي – من سينتزع المجد؟”

أُتيح النزال عبر خدمة الدفع مقابل المشاهدة (TVKO) التابعة لـ HBO، وشهد مركز المؤتمرات في أتلانتيك سيتي حضور أكثر من ثمانية آلاف متفرّج في 18 أكتوبر 1991، جاؤوا ليروا ما إذا كان "الفتى القادم من فيلم روكي" قادرًا على هزيمة صاحب الذقن الفولاذية و اللكمة الفتاكة.

في لقائهما السابق عام 1988، قال موريسون إن سرعة ميرسر فاجأته. لكن في هذه المرة، بدا موريسون أسرع قليلًا وأكثر مرونة في الجزء العلوي من جسده خلال الجولة الأولى. ومع منتصف الجولة، وجّه ضربة صاعدة تلتها لكمة يسارية قوية أربكت ميرسر وأجبرته على التمسّك به، ثم واصل موريسون العمل على جسم خصمه، ما جعله يبدو في طريقه لتفوقٍ مبكر.

في الجولة الثانية، أخطأ موريسون في تنفيذ عددٍ من اللكمات القوية، بينما بدأ ميرسر في الاعتماد على لكمته الأمامية (الجاب) الشهيرة، التي تُعد من بين الأفضل في تسعينيات القرن الماضي. ومع ذلك، تلقّى ميرسر المزيد من الضربات الصاعدة والهوكات، وعاد إلى ركنه وشفته تنزف، فيما كان مدربوه يصرخون فيه مطالبين بالتركيز على الجسم و استخدام الجاب من جديد.

نادراً ما يتمكّن ملاكم من الفوز بجولةٍ اعتمادًا على الجاب وحده، لكن ميرسر كان يملك تلك اللكمة القوية القاتلة. ومع ذلك، واصل موريسون هجومه في الجولة الثالثة مستخدمًا الهوكات والضربات الصاعدة التي دفعت ميرسر إلى الحبال وسط هتافات الجماهير. أنهى ميرسر الجولة بضربةٍ يمينية صلبة عند الجرس، لكنها لم تكن كافية لتغيير مسار النزال.

ثلاث جولات ناجحة منحت موريسون ثقة زائدة، فاندفع بقوة في الجولة الرابعة، لكن ميرسر ردّ بلكمة يسارية قوية أجبرته على التراجع والتشبث، لتبدأ علامات التعب بالظهور على الشاب الطموح. وفي الثواني الأخيرة، استدرجه ميرسر إلى لكمة يمينية أخرى غيّرت مجرى النزال بالكامل.

مع بداية الجولة الخامسة، تقدّم موريسون بحذر، لكنه سرعان ما وجد نفسه محاصرًا في الزاوية، حيث أمطره ميرسر بوابلٍ من اللكمات اليمنى المتلاحقة. تجمّد موريسون في مكانه، فتلقّى يسارية هائلة أطفأت أنواره، قبل أن ينهال عليه ميرسر بسبع لكمات إضافية جعلته يتهاوى داخل الحبال بلا مقاومة، ليوقف الحكم النزال وسط ذهول الجماهير.

استغرقت تلك النهاية بضع ثوانٍ فقط، لكنها بدت لموريسون وكأنها دهرٌ بأكمله. قال لاحقًا بأسى:

“لا أريد أن أرى تلك اللقطة أبدًا. كنت كقطعة لحمٍ معلقة على الحبال، والحكم لم يفعل شيئًا. لا حاجة أن أراها، فالناس يذكرونني بها كلما خرجت من باب بيتي.”

أما ميرسر، فشعر بالارتياح بعد هذا الانتصار الحاسم. ورغم أنه لم يُصنَّف كمستضعف، فإنه تعامل مع النزال وكأنه كذلك. ومع انسحاب مايك تايسون من مواجهة إيفاندر هوليفيلد بسبب إصابة في الضلوع، انفتح الباب أمام بزوغ نجمٍ جديد في الوزن الثقيل، وكان ميرسر بحاجةٍ إلى فوزٍ قاطعٍ لا لبس فيه ليُثبت مكانته.

قال بعد النزال:

“أنا سعيد بأن الأمور انتهت بهذه الطريقة. عندما تُسقط خصمك بشكلٍ حاسم، يدرك الجميع أنه خرج فعلاً من المعركة.”

لكن مسيرة ميرسر لاحقًا لم تعد إلى ذروة ذلك الإنجاز، إذ تراجع أداؤه تدريجيًا وخسر لقبه في نهاية المطاف. وعلى الجانب الآخر، استعاد موريسون توازنه وتُوِّج بلقب WBO بعد فوزه التاريخي على جورج فورمان عام 1993، قبل أن يهزم لاحقًا دونوفان "ريزر" رودوك في آخر انتصاراته الكبرى.

واختتم ميرسر حديثه مسترجعًا أول لقاء جمعه بموريسون عام 1988 قائلًا:

“لم أكن أعرفه، لكنه أدهشني بقوته وشجاعته — أرى أنه سيكون نجمًا كبيرًا في المستقبل.”