ألقى أنتوني يارد نظرة سريعة حول الغرفة، ثم اتجه نحو الباب.
"هل تمانع إن أجرينا الحديث في الخارج؟" سأل. "أفضل الوقوف تحت أشعة الشمس على البقاء هنا."
بمجرد خروجه، استند إلى عمود إنارة على الطريق الرئيسي في بلدته إلفورد، و بدأ يتأمل مسيرته التي ستكمل عامها العاشر الشهر المقبل.
"هل ما زلت أحبها؟" قال مبتسمًا. "ما رأيك؟"
يبلغ يارد من العمر 33 عامًا، و كان قد أنهى لتوه حصة تدريبية دامت ساعتين في الصالة الرياضية خلفنا، تحت إشراف مدربه المخضرم توندي أجايي. و على مدار الحصة، كان يارد يتنقل بسلاسة بين الجدية و المرح، إذ توقف أكثر من مرة ليتبادل المزاح بالصفعات مع زملائه الملاكمين، قبل أن ينضم أجايي بدوره إلى الأجواء المرحة. و قد اختتم يارد تدريبه بمزيج من تمارين عضلات البطن و بعض الرقص الخفيف، في مشهد يعكس توازنه الدائم بين الصرامة و الاستمتاع.
"هكذا كانت الأمور تقريبًا طوال مسيرتي"، يقول. "عليك أن تستمتع بما تفعله، و إلا فما الفائدة؟ عشرة أعوام في مايو، الأمر جنوني... مرّت بسرعة. تخيل أن تمضي كل هذا الوقت في شيء لا تحبه؟ هذه اللعبة ليست سهلة."
و يُضيف: "دخلت عالم الملاكمة في وقت متأخر مقارنة بغيري، لكنني ما زلت أذكر جيدًا كيف كنت أقول للناس: سأصبح بطلًا عالميًا. وقتها، بدا كلامي أشبه بالجنون. لكنني كنت واثقًا تمامًا من ذلك، و وضعت هذا الهدف نصب عيني، و سأستمر في العمل حتى أحققه."
ومع مرور السنوات وتراكم الخبرات، أدرك يارد أن استمراره في عالم الملاكمة لم يكن بدافع مطاردة الألقاب فحسب، بل لأنه يعشق هذه الرياضة بكل تفاصيلها. يقول: "في الصالة، نعمل بعقلية الغوريلا... اقتنصها! إنها نفس الذهنية التي نشأنا عليها، ذهنية الأسود في المعسكر — الروح القتالية، الجوع، الشغف. و تلك الروح لا تزال تشتعل بداخلي، لم يخفت وهجها يومًا."
كانت مسيرة يارد حافلة بالتقلبات، حيث تنقّل بين انتصارات سهلة على خصوم لم يرتقوا إلى مستواه، وبين مواجهات شرسة على ألقاب عالمية ضد نخبة من أبرز نجوم وزن خفيف الثقيل.
قبيل ظهوره المرتقب في ملعب توتنهام هوتسبير ضمن أمسية العرض الكبير "فاتال فيوري: سيتي أوف وولفز"، يحمل أنتوني يارد في جعبته سجلًا احترافيًا مميزًا يبلغ (26 فوزًا – 3 هزائم، منها 24 بالضربة القاضية)، بعد قرابة عشر سنوات في عالم الملاكمة الاحترافية. تعرض للهزيمة مرتين بالضربة القاضية أمام الروسيين سيرجي كوفاليف و أرثر بيتربييف، فيما جاءت خسارته الثالثة بقرار منقسم أمام ليندون آرثر في ديسمبر 2020، قبل أن يرد عليه بثأر حاسم بعد عام في نزال الإياب.
و في ليلة السبت المقبلة، يحظى يارد بفرصة خوض نزال ثالث أمام آرثر و جعل النتيجة 1-2 لصالحه، بعد نحو خمس سنوات من المواجهة الأولى بينهما.
و قد كان نزالهما الثاني في 2021 داخل قاعة "كوبر بوكس" حاسم و عنيف، حيث أنهاها يارد بشكل ساحق في الجولة الرابعة، لدرجة أن آرثر ألمح إلى أن خصمه سيكون متراخيًا في نزال لندن المرتقب. لكن يارد يرفض هذه الفرضية جملة و تفصيلًا.
قال: "دعه يعتقد ما يريد. إن ظن أنني سأدخل النزال متراخيًا، فلا بأس. لكن الحقيقة أنني أفضل بكثير مما كنت عليه في المواجهة السابقة، و سأصعد إلى الحلبة بشخصية الملاكم الناري... الذي لا يهدأ."
و لم يُخفِ يارد حقيقة أن الحماس كان غائبًا عن أدائه في نزاله الأخير، حين اكتفى بالفوز بقرار النقاط بعد عشر جولات أمام اللاتفي المغمور رالف فيلكانز، رغم أنه أسقطه بضربة يمنى مباشرة منذ اللحظات الأولى في الجولة الافتتاحية.
وربما بدا في تلك الليلة كملاكم فقد شغفه، إلا أن المشاكل القانونية مع مروّجه فرانك وارن، و التي أصبحت خلفه الآن، كانت جزءًا من المعاناة التي مر بها. لكنه الآن يعود بحيوية "يارد القديم".
"أتذكر عندما بدأت، كنت أنظر للمحترفين الذين تجاوزوا 8 أو 9 سنوات في اللعبة، وها أنا الآن واحد منهم"، يقول.
"صرت من الكبار الآن. كنت أخوض نزال تدريب ضد كايل ديفيز من مانشستر، و قلت لنفسي: إنه من الجيل الصاعد و يحاول إثبات نفسه... و كنت أنا في مكانه في يوم من الأيام."
"أتذكر عندما كنت هاويًا، وخضت نزال تدريب ضد جيمس ديجيل حين كان محترفًا، و كانت لدي نفس العقلية: أردت أن أختبر نفسي أمام نجم من ذلك المستوى. كنت مع عمر صادق، و خضنا أربع جولات لكل منا. ضربت أنفه حتى نزف."
"صرخ ديجيل قائلًا: لا، لا، الجولة القادمة بلا مؤقت. وافقت، واستمررنا في تبادل اللكمات لفترة طويلة، حتى تدخّل مدربي في ذلك الوقت، توني سيساي، و قال: كفى يا بني."
"أيام جميلة. ديجيل قال لي: ستكون مشكلة حقيقية عندما تتحول إلى محترف. و الآن أنا من يقول هذه الكلمات للجيل الجديد. الأمر غريب كيف تتغير الأدوار."
ديجيل دخل التاريخ كأول ملاكم بريطاني يحرز الميدالية الذهبية الأولمبية و يتوّج لاحقًا بلقب عالمي كمحترف، قبل أن يعتزل و هو يحمل في رصيده لقب بطل العالم مرتين في وزن فوق المتوسط. أما أنتوني يارد، فلا يزال في رحلة السعي وراء لقبه العالمي الأول، و يُدرك تمامًا أن فوزًا مقنعًا على ليندون آرثر سيكون بمثابة خطوة حاسمة نحو فرصته الثالثة على عرش العالم.
"تعرف المقولة الشهيرة... إذا أردت أن تُضحك الله، حدّثه عن خططك."
"ليست لدي خريطة أو خطة مفصلة. لدي هدف و رؤية. الشيء الوحيد الذي أتحكم به هو مدى جهدي. أعلم أنني لن أواصل الملاكمة بعد الأربعين، لكن لا يزال لدي وقت. ربما أواصل حتى 37 أو 38."
"كل هذا جزء من الرحلة. أحيانًا، كلما ازدحم منتصف الكتاب بالأحداث، ازداد تشويقًا و إثارة. هذا هو المنظور الذي أؤمن به. فعندما أعتزل، و أتقدم في العمر، و أجلس يومًا ما مع أحفادي... ماذا سأروي لهم؟ كيف سأصف حياتي؟ هل كانت عادية أم مليئة بالتجارب التي تستحق أن تُروى؟"
"هناك من يعيش حياة رتيبة لا يريد أن يشعر فيها بأي انزعاج. لكن يا لها من حياة مملة أن تفعل نفس الشيء مرارًا و تكرارًا. و عندما يحدث شيء سيئ، ينهارون تمامًا."
"أما أنا، فكل هذا جزء من الرحلة. تذكّر... نحن كبشر نمرر المعرفة فقط. في يومٍ ما، سينتهي كل شيء، و ربما يقول أحدهم: هل تتذكر ذلك الملاكم أنتوني يارد؟"
"أنا فقط أحاول أن أفعل كل ما بوسعي... طالما ما زلت هنا."
"و لهذا... يجب أن تستمتع بالشمس كلما أشرقت."