انطلق لورينزو بارا من غياهب المجهول في موطنه فنزويلا ليحقق مفاجأة مدوية عندما تغلب على حامل لقب وزن الذبابة في رابطة الملاكمة العالمية (WBA) إريك موريل في عام 2003. وقد واصل مشواره المميز بتحقيق خمس دفاعات ناجحة عن لقبه، جميعها في بلدان خصومه، خلال فترة سيطرته على اللقب التي استمرت ثلاث سنوات.

وُلد بارا، أحد سبعة أبناء، في 19 أغسطس 1978 بمدينة ماتشيكيس شمال غرب فنزويلا. عمل والداه بجد لتوفير لقمة العيش، فكان والده يعمل في البناء، ووالدته تعمل معلمة.

يقول بارا لمجلة "ذا رينج" من خلال ماوريسيو غونزاليس:

"نشأت في بيئة متواضعة للغاية، كنا أقرب إلى مستوى الفقر. كنا عائلة مجتهدة؛ جميعنا كنا رياضيين. أنا فخور جدًا بذلك. في البلدة التي نشأت فيها، كان الجميع يعرفنا لأننا كنا ملاكمين ولاعبي كرة قدم وسلة وبيسبول."

وأضاف:

"والدي ووالدتي منحانا التعليم وعلّمونا الاحترام. الملاكمة ساعدت كثيرًا بالتأكيد، لكنها كانت الأسرة هي من أبقتنا متماسكين. كانوا دائمًا يقولون لنا: 'علينا أن نكون أناسًا طيبين، متعلمين، ومحترمين.' ولكن سيكون من الجحود أن أنكر فضل الملاكمة."

كان العديد من أفراد عائلة بارا يمارسون الملاكمة، بينما اتجه آخرون إلى كرة القدم الاحترافية. إلا أن بارا اتبع شقيقه الأكبر، أليكسيس، في طريق الاحتراف بعد أن بدأ كلاعب كرة قدم.

يتحدث بارا بحزن عن أخيه:

"توفي شقيقي الأكبر في 31 ديسمبر 1988. كان يستعد لنزال ضد فابريتسيو كاباي في إيطاليا وكان من المفترض أن يخوضه في 16 فبراير 1989. ذلك الحدث هو ما جعلني أتحمس فعلاً للملاكمة. وعندما ذهبت إلى جنازته، وعدته أنني سأصبح بطلًا عالميًا."

بدأ بارا ممارسة الملاكمة في سن التاسعة تحت إشراف عمه جايرو مونيوث والمدرب الشهير بيدرو غامارو. سرعان ما تألق في الحلبة كهاوٍ ، فاز بثمانية ألقاب وطنية ومثل بلده على المستوى الدولي.

وبعد سجل هاوٍ مذهل بلغ 268 انتصارًا مقابل 10 هزائم فقط، انتقل إلى الاحتراف في سن العشرين، وحقق فوزه الأول بإيقاف أندريس مولينا في الجولة الثالثة في مارس 1999.

على مدى أكثر من أربع سنوات، شق طريقه بثبات في حلبات فنزويلا، محققًا 22 نزالًا دون هزيمة، رافعًا من تصنيفه العالمي وجامعًا ألقابًا إقليمية عدة تحت مظلة منظمات الملاكمة.

أصبح بارا، الملقب بـ"لينتشو"، المنافس الإجباري على لقب WBA لوزن الذبابة الذي كان بحوزة إريك موريل، أحد أبرز الأسماء في ذلك الوقت. وتم تحديد النزال بينهما في بورتو ريكو، موطن موريل الأصلي، ضمن عرض "Latin Fury" الذي نظمته شركة توب رانك في ديسمبر 2003. إلا أن مدير أعمال بارا لم يكن متحمسًا لخوض النزال، ما اضطر بارا إلى إقناعه عبر وعد غير تقليدي:

"أخبرته أنني إذا خسرت، فسأعطيه مكافأتي البالغة 19 ألف دولار. كنت واثقًا تمامًا من الفوز."

قال بارا عن المواجهة:

"بدأت بالضغط على موريل وإرجاعه إلى الخلف، وفي الجولة الثالثة أسقطته أرضًا. في أول ست جولات خرجت باحثًا عن النزال. وبعد الجولة السادسة، كنت أعلم أنني قد جمعت ما يكفي من النقاط."

"إنه حلم كل ملاكم. كل ملاكم يريد تحقيق هذا الحلم، والحمد لله أُتيحت لي الفرصة لأكون بطلًا. علاوة على ذلك، كنت قد وعدت أخي الراحل بأنني سأصبح بطل العالم، لذا كان إنجاز هدفين في آنٍ واحد."

"لقد استُقبلت استقبال الأبطال في فنزويلا. كان أمرًا لا يُصدق؛ التكريمات، والناس في الشوارع. حتى إنني التقيت بالرئيس هوغو تشافيز حينها."

واصل بارا مسيرته بتسجيل انتصارات كبيرة خارج أرضه على الملاكم الياباني تاكيفومي ساكاتا مرتين (قرار أغلبي 12 / قرار أغلبي 12)، وتخللت ذلك دفاعات ناجحة عن لقبه ضد بطل WBC السابق يو سام تشوي (قرار إجماعي 12) في كوريا الجنوبية وتراش ناكانوما (قرار إجماعي 12) في اليابان. بعد ذلك، تم تحديد نزال له ضد النجم الفرنسي براهمي أسلوم، الحاصل على الذهبية الأولمبية في 2000، والذي كان يملك سجلًا خاليًا من الهزائم في 19 نزالًا.

وعن تلك الفترة قال بارا:

"كانت جميعها لحظات رائعة. وأكثر لحظة لا تُنسى كانت في فرنسا، لأن ذلك الحدث جمع أربعة ملاكمين فنزويليين: [إدوين] فاليرو، [نيلسون] ليناريس، و[خوسيه] "تشيو" روجاس."

"كان الأمر غريبًا؛ أثناء التوقف في الرحلة إلى فرنسا، جمعني مدير أعمالي أنا وزوجتي وقال: 'سنخسر هذا النزال، لكن سيكون لدينا نزال أكبر وأفضل بعده.' واكتشفت لاحقًا أنه راهن ضدي، وهذا زاد من دوافعي. بلا شك، كان هذا أفضل نزال في مسيرتي."

لكن الأمور لم تسر على ما يرام بعد ذلك. فقد أصيب بارا بتمزق في الغضروف الهلالي والرباط الصليبي في ركبته أثناء لعب كرة القدم، ما استدعى عملية جراحية وأبعده عن الحلبة لمدة 15 شهرًا.

وعند عودته، لم تكن الظروف مثالية، حيث يقول:

"لا أُجيد الإنجليزية، وكان عقد نزال ساكاتا مكتوبًا بالإنجليزية. لم أكن أعلم أن النزال سيُقام بعد 20 يومًا فقط. لو كنت أعلم، لما وافقت على النزال لأن وزني كان مرتفعًا جدًا. عادة ما نحتاج إلى شهرين أو ثلاثة للتحضير، وكان ذلك كافيًا. لكنني وصلت إلى اليابان وكنت فوق الوزن بـ8 أرطال على الأقل. لم أعتنِ بنفسي ولم أتمكن من إنزال الوزن."

ودفع بارا الثمن، إذ فشل في تحقيق الوزن بفارق 4¾ أرطال، ففقد لقبه على الميزان وتعرض لأول خسارة في مسيرته خلال ثلاث جولات فقط.

عاد بعدها إلى فنزويلا، وخاض نزالات في أوزان أعلى مثل البانتام والريشة الفائق، بعيدًا عن وزنه الطبيعي. وبرغم أنه ظل منافسًا قويًا، إلا أنه لم يتمكن من الفوز بأي لقب عالمي مجددًا، وخسر أمام بطل WBA لوزن 122 رطلاً، سيليستينو كاباييرو (الجولة 11).

"كان نزالًا صعبًا لكلا الطرفين،" قال بارا، مشيرًا إلى أن النتيجة لم تكن عادلة. "كنت متعادلًا في بطاقة أحد الحكام ومتأخرًا بنقطة واحدة في بطاقة أخرى مع نهاية الجولة 11. لكن الطبيب أوقف النزال وقالوا إنني كسرت فكي، وهذا لم يكن صحيحًا. أعتقد أن الطبيب تم رشوته. لم يكن يجب أن يُوقف النزال."

لاحقًا، تعادل مع خورخي أرس (تعادل 10 جولات) في نزال تمهيدي على لقب WBO لوزن 122 رطلاً، وخسر أمام أنسيلمو مورينو (انسحاب الجولة 8) في نزال على لقب WBA لوزن 118 رطلاً. ثم خسر بالضربة القاضية أمام أرس في الجولة الخامسة في نزال الإعادة، واعتزل لمدة 4 سنوات.

"خضت تلك النزالات عندما كنت معتزلًا فعليًا،" قال بارا. "لو كنت واجهتهم في أوج عطائي، لا أعتقد أنهم كانوا ليهزموني."

لكن هذه لم تكن نهاية مشواره. عاد إلى الحلبة، ولكن في أوزان أعلى، وخاض سلسلة من النزالات كخصم رديف في أوروبا، خسر آخر 14 نزالًا في مسيرته.

"عدت فقط بدافع الشغف، لكنني عدت إلى فئة وزنية لم تكن لي،" اعترف بارا، الذي اعتزل أخيرًا في 2019 بسجل بلغ 32 إنتصار-18 هزيمة-تعادلان، 19 بالضربة القاضية). "لم أعد أتدرب بالطريقة نفسها، ولم تكن لدي نفس الرغبة في التدريب."

لورينزو بارا، البالغ من العمر الآن 46 عامًا، متزوج وأب لأربعة أطفال، ويقيم في برشلونة، إسبانيا، حيث يدير صالة ألعاب رياضية تحمل اسم "Barcelona Boxing".

وبكل تواضع وكرم، خصّ بارا مجلة ذا رينج بحديث حول أفضل الملاكمين الذين واجههم عبر مسيرته، وذلك في 10 فئات رئيسية:

إريك موريل:"كان موريل يمتلك أفضل جاب، كان سريعًا جدًا وخفيف الحركة."

موريل:"ذكي بدرجة لا تُصدق، سريع، يتمتع بدفاع قوي وحركة ممتازة، وبشكل عام كان خصمًا صعبًا جدًا."

موريل:"كان أنيقًا في الأداء، يستخدم قدميه ويديه بطريقة مرهقة للخصم، لكنني كنت أسرع منه."

موريل:"دقته عالية وسرعة يديه مذهلة."

موريل:"نزال رائع، لكنني كنت أعرف كيف أتعامل معه. ملاكم آخر منحني نزالًا صعبًا كان ناكانوما، حيث مارس ضغطًا كبيرًا وتحرك كثيرًا، وكان لديه حركة حوض ممتازة. جعلني أفكر كثيرًا للفوز عليه."

تاكيفومي ساكاتا:"ساكاتا وناكانوما كلاهما كانا قويين جدًا جدًا، وظننت أنني سأتفوق عليهما بملاكمتي. كانا خصمين شرسين، لكن إن كان عليّ الاختيار، فسأمنح الأفضلية لساكاتا."

ساكاتا:"كسرت فكه، ومع ذلك لم أتمكن من إسقاطه."

ساكاتا:"الأقوى في الضرب كان ساكاتا. عندما واجهت خورخي أرس، كنت في مرحلة انحدار، لهذا أقول ساكاتا، لأنني شعرت بقوة ضرباته أكثر من أي شخص آخر. ناكانوما أيضًا فاجأني، ففي الثواني الأخيرة من النزال وجّه لي لكمة، ولو كانت قبل ذلك بقليل، لأسقطني بالضربة القاضية."

موريل:"قدراته، وذكاؤه، وسرعته، جعلت من مواجهته تجربة صعبة للغاية."

موريل:"لم أدرج أسماء [سيليستينو كاباييرو، خورخي أرس أو أنسيلمو مورينو]، لأنني واجهتهم بعد أوج عطائي. بالنسبة لي، كان موريل هو الأفضل. كانت مواجهة صعبة، وإذا لم أكن مخطئًا، فقد دافع عن لقبه خمس مرات وكان غير مهزوم وقتها، وكان الأفضل في وزن الذبابة في ذلك الحين."

ساعد ماوريسيو غونزاليس في الترجمة خلال هذا اللقاء. وتوجهت مجلة ذا رينج بالشكر الجزيل له على مساهمته القيّمة.